وجه مألوف للمثقفين العرب، باعتباره واحدا منهم وله إسهاماته الإبداعية، التي بدأها في منتصف الثمانينيات عندما أصدر ديوانه الشعري الأول "في البدء كان أوراس"، فقد تنوعت التجارب الإبداعية للأديب عز الدين ميهوبي وزير الثقافة الجزائري، بين الشعر والرواية والمسرحية والأوبريتات، وله إنتاج غزير في هذه المجالات يصل إلي 35 كتابا. هو- أيضا- صحفي رأس في الفترة من 1990 إلي 1992 صحيفة الشعب الجزائرية التي تعد أول جريدة يومية بالعربية صدرت بعد استقلال الجزائر، كما له تجاربه الصحفية المتنوعة فلم يكتب في الثقافة فقط، بل كتب كذلك في المجال الرياضي، فقد حكي لي كيف أن مباراة الأهلي المصري ووفاق سطيفالجزائري، كانت سببا لينفرد بلقاء مع نجيب محفوظ، بعد فوزه بأيام قليلة بجائزة نوبل في الآداب، فقد انتهز فرصة سفره للقاهرة لتغطية هذا اللقاء، وطلب من السفارة الجزائرية تحديد موعد مع محفوظ، ولم تكن الجائزة قد اعلنت بعد، ولكن الميعاد تحدد له توقيتا جاء بعد الإعلان، فحقق انتصارا صحفيا بإجرائه الحوار مع الفائز بنوبل، وتصادف معه انتصار كروي أيضا، إذ فاز وفاق سطيف علي الأهلي. ذكريات ميهوبي كثيرة ومتنوعة، وهو واحد من أهم المتابعين للشأن المصري ليس الثقافي فقط، بل علي كافة الأصعدة، ويتمني أن يدفع العمل الثقافي المشترك بين البلدين خطوات كبيرة في الفترة القادمة. التقيت به في الجزائر، بمناسبة الدورة الجديدة لصالون الجزائر الدولي للكتاب، وكان هذا الحوار. أثناء تجوالي في المعرض لاحظت رفع مجموعة من الشعارات في الصالون، منها "تدوين تراث الأجداد للأحفاد"، "من الكاتب إلي القارئ"، "كتاب لكل قارئ". من وجهة نظرك؛ ما دلالات هذه الشعارات؟ بلا شك أنك في النهاية تربط بين مختلف مسارات الثقافة بالكتاب ، وتسعي لتوطيد هذه العلاقة، لأن الكتاب كان دائما مرتبطا بالإنسان، فهو معرفة، والمعرفة تتجه إلي عموم الناس في المجتمع لتحقق فعلها لاحقا في التطور والنهضة والتنمية، لهذا فنحن نشعر أن الكتاب له 3 انتدابات، له انتداب في الماضي وله تأثير في الحاضر، وله توجه في المستقبل، وبالتالي هذه الشعارات في النهاية تعكس قيمة الكتاب كمعرفة لها تأثيرها في واقع الناس، وهي من وضع الفريق المشرف علي المعرض وهو في كل سنة يطرح شعارات جديدة، ولكن كلها تحدد علاقة الكتابه بالإنسان. هناك شعار يحتاج رؤية توضيحية وهو أن "الثقافة في الاختلاف"، ماذا يعني؟ يعني أنه يجب قبول الآخر الذي اختلف معه في الرأي، و أن أتعامل وأتعاطي معه، وأن يكون هناك تماس بين فكري والفكر النقيض، أن نقبل بعضنا علي اختلاف آرائنا، ولهذا فإن الكتب لو أنها متشابهة كوجوه الصينيين لأصبح معرض الكتاب الواحد، ولن نفصل فيه الكتب إلي التاريخ والأدب والعلم والتكنولوجيا، فالرف الواحد يمكن أن تجد عليه كتابين متناقضين..وهذا أمر طبيعي. يرتبط تاريخ بعض المعارض العربية بتاريخ المصادرات، هل لديكم هنا في الجزائر عناوين ممنوعة؟ نحن نتحفظ ولا نصادر، قبل بدء المعرض نقول للناشرين أن هذه الكتب لا نريد وجودها، مثل الكتب التي تمجد الإرهاب، وتثير الفتنة، وتسيء إلي الثورة الجزائرية وتاريخها ورموزها، والكتب التي تؤسس للتطرف، فكلها لا نري حاجة لوجودها من حيث المبدأ، لأن من ورائها رسالة، بأن هناك فكرا خطيرا علي الأمة، وبالتالي نحن لا نريد أفكارا مميتة عندنا نحن في غني عنها، ولذلك نتفق مع الناشرين من البداية بعدم حضور هذه الكتب في معارضنا، مع إيماننا بالحق في الاختلاف، ولكن هذه الكتب خطر علي أي مجتمع، لقد عرفنا الإرهاب وعانينا منه ودفعنا الفاتورة كبيرة لسنوات طويلة، فكيف لنا أن نمجده في حدث ثقافي كبير هو فسحة للثقافة والإبداع والفكر المستنير. نحن واضحون في هذه المسألة، ولكن الشيء الذي يمكن أن أقوله وهو هام جدا؛ في دورة عام 2000 كان عدد الكتب المتحفظ عليها ثلاثة آلاف وخمسمائة عنوان، بعد 15 عاما صار العدد 106 عناوين فقط، بمعني أن الناشرين صاروا مدركين للثقافة التي يتسم بها معرض الجزائر الدولي للكتاب. توليت منصبين مهمين في العمل الثقافي، الأول بالانتخاب هو رئيس اتحاد الكتاب والآخر بالتعيين وهو وزير الثقافة. كيف تري الفرق بينهما في الأداء؟ اتحاد الكتاب هو هيئة ثقافية تضم أناسا ينتسبون إليها، خارج الأطر الرسمية، وقد رفعت للاتحاد عام 1998 عندما رأسته شعارا بأن "الكلمة أولا.. الحرية أبدا"، لأنني كنت مدركا آنذاك أن الأساس في الكتابة هو الحرية، لكنني قلت إنني أرفض وجود أعضاء في اتحاد الكتاب يثبت أنهم متهمون بشيء، الكاتب لا يحاسب علي فكره أو رأيه، فهو حر، له أن يتخذ المواقف التي يشاء لكنه لا يمكن له أن ينتمي لهيئة اتحاد الكتاب في حالتين، إن كان إرهابيا بالاثبات أو خائنا لأمته وبلده بالاثبات أيضا، أما غير ذلك فالكاتب حر. أما منصب الوزير فهي مهمة بتكليف الرئيس لتحقيق أهداف محددة في برنامج الحكومة ويمكن أن يقوم بمبادرات لصالح الثقافة لتحقيق الإشعاع الثقافي المطلوب، وأنا سعيد أن وضعت في شخصي ثقة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مرتين، وكذا كمدير عام المكتبة الوطنية الجزائرية ورئيس المجلس الأعلي للغة العربية ومدير عام الإذاعة الوطنية، كل هذه المهام سعيت لأن أكون إيجابيا فيها ومساهما بصورة فعالة فيما رأيته مفيدا لبلدي. الإرهابي يمكن إثباته قانونيا. لكن الخائن تبدو كلمه مفتوحة؟ هو من يضر بمصالح بلده الاستراتيجية، يعمل لمصالح غيرها. من خلال مراقبتك، هل الوزير المثقف أفضل لوزارة الثقافة أم الوزير التكنوقراط؟ الأفضل أن يتوافر فيه الشرطان، القدرة علي التسيير، والقدرة أيضا علي أن يجمع الأمزجة المختلفة، فالثقافة قيمة، تتعامل مع أنسجة وأهواء وآراء، لذا فأنت مطالب بالتفاعل مع هذه الأمزجة جميعا، هذا هو المثقف، والذي يسكنه هاجس الحرية دائما. كنت أتابع إبداعاتك، لكنك توقفت تقريبا منذ توليك الوزارة، هل يمكن القول بأنك دفعت ثمن كرسي الوزارة من إبداعك؟ عندما جئت لوزارة الثقافة كان مبرمجا أن يطبع لي 32 كتابا، ضمن ما ساد من تقليد في وزارة الثقافة بأنها تطبع لعدد من الكتاب في كل مرة الأعمال الكاملة، فتم اختيار 32 كتاب وشرع الناشر في طبعها ولكني عندما جئت أوقفت المشروع لأن فيه تضارب مصالح، لا يعقل أن وزيرا يطبع أعماله، ففضلت أن أؤجل هذا إلي حين وطلبت من الناشر أن يبادر بطبع اثنين أو ثلاثة من أعمالي بإنتاج مشترك بشكل شخصي خارج تمويل الوزارة تماما، ثم إني أردت أن أكرس وقتي كاملا للعمل الثقافي لأن أمامنا رهانات كثيرة في إعادة تشكيل الخارطة الثقافية للجزائر وإعادة الإصلاح الثقافي وبناء منظومة ثقافية وطنية يكون فيها تقارب بين السينما والمسرح والفنون التشكيلية والاهتمام بالتراث والجانب الأدبي، فالخبرات العالية موجودة ولكننا في حاجة لأن نهيئ لها مناخا لتظهر ضمن منظومة ثقافية واحدة في الداخل وعلي الصعيد العربي والمتوسطي والعالمي. لديك تجارب إبداعية مختلفة، كتبت الشعر والروايات. هل التجربة الإبداعية هي التي تقودك لشكل النص؟ بداياتي كانت مع الشعر، وقد قادني إلي الأوبريت، وبدوره قادني إلي المسرح، الذي قادني إلي السينما، والتي قادتني تباعا إلي الرواية، فكل جنس يفتح نافذة علي الآخر، وبالتالي فجأة وجدت نفسي أكتب في السيناريو والرواية والمسرح والقصيدة وكذلك المقال، هذا التنوع في النهاية هو أنك أشبه بمن يقيم داخل بيت واحد مكون من عديد الغرف وكل غرفة لها ديكور مختلف عن الآخر، ولكنه لم يغادر بيته وهو الكتابة. الأدباء لديهم دائما شكوي من أن النقد لم يساير تجربتهم، ولكنك لديك أكثر من 50 رسالة جامعية تناقش أعمالك، هل أنت راض عن النقد من منظورك الشخصي؟ هناك نوعان من النقد، الأكاديمي الذي يقوم به باحثون ودارسون جامعيون، وهناك النقد الإعلامي وهو الكتابات التي يبادر بها عدد من النقاد الذين يصدرون كتاباتهم في صحف ومجلات، وهذا هو الذي يهتم له أكثر، حيث يتضمن دائما أحكاما، أما الدراسات الجامعية فهي عادة ما تكون محاولة للتعريف بالأدب الجزائري في الوسط الاجتماعي وبالتالي فهذا مكن عددا كبيرا من الكتاب الجزائريين المبدعين من مناقشة أعمالهم، أنا كانت لي فرصة بأن تدرس بعض قصائدي في دمشق وأجريت أكثر من رسالة جامعية في إيران وأيضا في تونس لأعمالي الأدبية، الذي ساعد في هذا كثيرا اعتقد هو وجود الانترنت مما أسهم بشكل كبير في التعريف بالأسماء، أنا كنت محظوظا بأنني بادرت إلي إنشاء موقع علي الانترنت مكن العديد من الطلبة والباحثين من تحميل بعض أعمالي والاطلاع عليها والاتصال بي، مما جعل عدد الرسائل الآن يفوق المائة وليس فقط 50، هذا الشيء يسعد الإنسان بأن يشعر أن هناك من يهتم بما يكتب وأنا أحترم كل ما يكتب حتي وإن كانت بعض الأحكام أحيانا قاسية، فهذا هو الطبيعي، ويجب أن يقبل الإنسان بكل ما يصدر في حقه سواء إيجابيا أو غيره، لكن علي الصعيد العربي عموما هناك كم يصدر من الكتابات لا تمكنه عملية نقد، فقد كان النقد أقوي في الثمانينيات والسبعينيات منه الآن في هذه السنوات الأخيرة، ظهر شيء يسمي بالنقد الحبي والمجاملات، وهذا لا يضيف شيئاً، هو فقط نوع من الترويج والإشهار لبعض الأعمال الجديدة. هناك ازدواجية في اللغة بالجزائر وأنت كنت رئيس المجلس الأعلي للغة العربية. هل كان من بعض خطواته القضاء علي تلك الازدواجية أو طرح استراتيجية لمعالجة هذه القضية؟ اللغة بالنسبة للجزائر، اللغة العربية في بيتها لا جدال في هذا، واللغة الأمازيغية أيضا لغة تأخذ مكانها لأنها مكون أساسي في الهوية الوطنية إلي جانب العربية، اللغة الفرنسية بالطبع؛ لا يمكن تصور بلد مر به أكثر من 130 عاما في الاحتلال والاستيطان ولا يترك أثره في الحياة الثقافية والاجتماعية، كما موجود في أي بلد آخر مر به استعمار، نحن لا نطرح مسألة اللغة من زاوية الصراع اللغوي، ولكن يمكن أن نقول ثراء لغويا، لأن البلد الذي يعمل بسقف لغوي واحد يعيش حالة انغلاق، فكلما امتلكت لغات إضافية كان الأفق أكثر اتساعا في استقبال المعرفة، فالآن في الجزائر تنتشر المدارس التي تدرس الإنجليزية والصينية والتركية وغيرها، وانتشار هذا هو دليل علي الرغبة في الوصول للآخر ومعرفته، فتدريس اللغات مسألة حيوية جدا، لأن العالم يتهمنا بالتحجر، ولذا نحن مطالبون بأن نقيم جسورا مع الآخر من خلال فهم لغاته والتعرف عليه، وجود اللغة الفرنسية في الجزائر ساهم أيضا في قراءة الآخر ومعرفة ثقافته، لكن هذا لا يكون علي حساب اللغة العربية، فهي الأساس ولغة الإبداع والإدارة. ما أهم المشروعات الكبري التي تتبناها وزارة الثقافة حاليا؟ قبل أن نتحدث عن مشاريع الإنشاءات يجب أن نتحدث عن مشاريع الرؤية الثقافية المستقبلية، نحن الآن نقوم بعمل مهم وهو يتعلق بالسينما، فالسينما كانت غائبة في حياة الجزائريين قرابة ربع قرن بفعل التحولات التي شهدتها الجزائر في مطلع التسعينيات، فغابت السينما بسبب التحول الاقتصادي وأيضا لأنها كانت مستهدفة من قبل التيارات المعادية للإبداع، فهناك جيل بأكمله لم يدخل قاعة سينما ليشاهد فيلماً جماعياً، الآن هناك مخطط لإعادة تطبيع علاقتنا بالسينما في الجزائر، بادرنا إلي تنظيم عروض سينمائية في الشارع والشواطئ والمناطق النائية والساحات العامة، عرضنا آخر إنتاجات السينما الجزائرية في السنوات الخمس عشرة الأخيرة، الآن نخطط لاستعادة قاعات السينما المغلقة وتحفيز المستثمرين علي بناء مجمعات سينمائية ومدن للسينما تضم استوديوهات ومراكز تحميض وهكذا. وهناك عمل آخر، بإعادة تنظيم خارطة المهرجانات والندوات الثقافية، هذا حتي نصل إلي المهنية والفاعلية والجدوي المطلوبة، أيضا هناك اتجاه نحو النشر المشترك حتي نتمكن من وصول الكتاب في الجزائر، بين دور النشر الخاصة، كأن يكون هناك ناشرون من مصر مع ناشرين جزائريين، فيكون هذا نوعا من تخفيف الكلفة وللإسراع، مع كل دور النشر، متفتحين علي كل خطوة تمكن من وصول المعرفة إلي الجزائريين من خلال دور النشر وترجمة ما نراه من أعمال وشراء حقوق الأعمال التي لها صلة بالجزائر وطبعها حتي تكون متاحة أمام الجزائريين. دفع العلاقات الثقافية المصرية. هل يمكن الاستفادة من ذلك؟ بلا شك، كثير من الطلبة الجزائريين تخرجوا من الجامعات المصرية ومعاهد المسرح والسينما والموسيقي، وكثير من الأساتذة عملوا هنا مثل كرم مطاوع، والجميع يذكرون زيارة يوسف وهبي إلي الجزائر وفاطمة رشدي، حتي جورج أبيض، العلاقات بين الجزائر ومصر ثقافية أصيلة، علي الأقل يمكن أن نذكر وردة الجزائرية التي مثلت هذه الأيقونة التي جمعت بين بلدين وأعطت كل هذا الزخم فيحبونها في مصر كما هو رصيدها قوي في بلدها، ونحن نسعي إلي أن نحافظ علي هذا الترابط ونعززه بالكثير من الأعمال المشتركة. أتمني لحلمي النمنم النجاح في عمله لأن قيادة سفينة الثقافة في مصر تتطلب الكثير من العمل، فحضور مصر الثقافي مهم جدا، وهذا لا يكون إلا بمساعدة الجميع، ونحن جاهزون لأن نتعاون ونقيم مشاركات ثقافية مهمة في النشر والموسيقي وغيرها.