قبل بضعة شهور نشرت الكاتبة نيكولا جريفيث علي مدونتها الخاصة تدوينة، نالت اهتماماً واسعاً، ذكرت فيها أن الجوائز الأدبية الكبري في كل من بريطانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية تخاصم الروايات المكتوبة عن النساء. "عندما تفوز النساء بجوائز أدبية للرواية، يكون هذا عادة لأنها تكتب من منظور رجل أو عن الرجال. كلما كانت الجائزة مرموقة أكثر، كلما زادت احتمالية أن يكون موضوع السرد ذكوري"! لم تخرج جريفيث بهذا الحُكم اعتباطاً، بل حللت حصاد 15 عاماً لست جوائز أدبية مهمة هي: بوليتزر، المان بوكر، الجائزة القومية للكتاب، الجائزة القومية لحلقة النقاد، جائزة هوجو، ميدالية نيوبيري. فماذا كانت النتائج التي توصلت إليها؟ حللت جريفيث نتائج جائزة "بوليتزر" من 2000 إلي 2011، واكتشفت أن الكتاب الرجال فازوا ثماني مرات بروايات عن رجال أو فتيان، والنساء فزن ثلاث مرات بروايات عن رجال أو فتيان، وثلاث مرات بروايات عن رجال ونساء معاً، ولم تفز أي رواية كتبتها امرأة عن نساء، ولا أي رواية كتبها رجل عن نساء أو عن رجال ونساء، وهناك رواية فائزة يصعب تصنيفها. وبالنسبة لجائزة "المان بوكر" في الفترة من 2000 إلي 2014 جاءت الأرقام كالتالي: تسع روايات فائزة كتبها مؤلفون رجال عن رجال أو فتيان، ثلاث روايات كتبتها نساء عن رجال أو فتيان، روايتان كتبتهما كاتبات عن نساء أو فتيات، ورواية واحدة كتبتها امرأة عن رجال ونساء. وتخلو قائمة الروايات الفائزة من أي رواية كتبها رجل عن امرأة أو عن رجل وامرأة. أما الجائزة القومية للكتاب فنتائجها من 2000 إلي 2014 هي: 8 روايات فائزة كتبها رجال عن رجال أو فتيان، 3 روايات كتبتها نساء عن الجنسين، روايتان كتبتهما كاتبتان عن نساء أو فتيات، روايتان كتبتهما نساء عن رجال أو فتيان، رواية واحدة كتبها رجل عن كلا الجنسين. ولم تفز أي رواية كتبها رجل من وجهة نظر امرأة أو عن امرأة أو فتاة. كتبت نيكولا جريفيث: "بالنسبة لجائزة بوليتزر النساء لم يكتبن ولا رواية واحدة من بين 15 رواية فائزة من وجهة نظر امرأة أو فتاة. النتيجة صفر. بالنسبة لجائزة مخصصة "للرواية الأمريكية الأكثر تميزاً"، لا يوجد كتاب واحد، مكتوب من وجهة نظر امرأة أو عن امرأة تم اعتباره جديراً بالفوز. النساء لسن مثيرات للاهتمام، هذا ما تقوله هذه النتيجة، النساء لا أهمية لهن. وفي ما يخص ميدالية "نيوبيري" المخصصة "للإسهام الأكثر تميزاً في أدب الأطفال الأمريكي"، الكاتبات كتبن خمسة أعمال من وجهة نظر فتيات بشكل كامل، والكتاب الرجال كتبوا ثلاثة أعمال من وجهة نظر فتيات أيضاً. الفتيات، إذاً، مثيرات للاهتمام. الفتيات مهمات"! تواصل جريفيث بمرارة ساخرة: "من الصعب تفادي استخلاص نهائي مفاده أنه، حين يتعلق الأمر بالجوائز الأدبية، فكلما كانت الجائزة مرموقة ومؤثرة ومجزية مادياً أكثر، كلما قلت احتمالية أن يكون موضوع الكاتب عن نساء ناضجات. وهذا يعني إما أن الكاتبات يراقبن أنفسهن ذاتياً، أو أن من يقيِّمون الجدارة الأدبية يجدن النساء مخيفات، كريهات أو مملات. من المؤكد أن النتائج تجادل بأن الكتابة من وجهة نظر امرأة/ من منظور امرأة يُنظَر إليها كأمر غير مثير وغير جدير بالفوز. النساء علي ما يبدو مصابات ب"قمل" أدبي"!! من وجهة نظر جريفيث، أو بالأحري من وجهة نظر الأرقام والنتائج التي رصدتها، "المؤسسة الأدبية المهيمنة لا تحب الكتب المكتوبة عن نساء. لماذا؟ هل للأمر علاقة بالثنائية الديكارتية عن العقل/ الجسد، تقسيم يُنظر من خلاله إلي المرأة كممثلة للجسد السئ وليس للعقل الجيد؟ الإجابة مهمة. أصوات النساء لا تُسمَع. النساء يمثلن أكثر من نصف ثقافتنا. إذا كان نصف الناضجين في ثقافتنا بلا صوت، إذاً فنصف الخبرة بالعالم لا يتم الالتفات إليه، ولا التعلم منه أو البناء عليه. الإنسانية فقط نصف ما يمكنها أن تكون عليه. بافتراض أن المعلومات تقول ما أظن أنها تقوله من أن النساء مصابات بقمل أدبي، لماذا؟ والأهم، كيف يمكن التخلص منه؟"
تدوينة نيكولا جريفيث المدعومة بالأرقام والرسوم التوضيحية، أثارت الكثير من الصخب والجدل، واستدعت العديد من الردود والتعليقات والتحليلات، ودفعت آخرين للكتابة بشكل موسع عن "تهميش النساء في عالميّ الأدب والنشر"، ومن أكثر ردود الفعل لفتاً للانتباه كان ما كتبته الروائية الباكستانية كاملة شمسي، صاحبة رواية "الظلال المحترقة، في الجارديان بتاريخ 5 يونيو الماضي. في مقالتها، حمَّلت شمسي الناشرين، أكثر من غيرهم، مسئولية تهميش كتابة المرأة ودعت إلي تخصيص عام 2018 لنشر كتابات المرأة فقط، اعترفت أن اقتراحها استفزازي، لكنه في حالة تطبيقه سيؤدي إلي تغيير كبير وسيلفت الانتباه بقوة إلي أدب المرأة ويقلل من انعدام العدالة الجندرية. بدأت شمسي مقالها بإشارة ذات مغزي إلي ندوة حضرتها عن "أزمة الرواية الأمريكية" أدارها الروائي البريطاني مارتن إيمس، وشارك فيها كل من: ريتشارد فورد، جاي ماك إينيري، وخونوت دياز. بالإضافة لعدم وجود كاتبة واحدة بين الجالسين علي المنصة، لم ترد إشارة واحدة علي مدي ساعة من النقاش إلي كاتبة أمريكية واحدة، إذ لم يأت أي من المشاركين علي ذكر: توني موريسون، مارلين روبنسون، آني برولكس، آن تايلر، دونّا تارت، جومبا لاهيري أو أي كاتبة معاصرة. إشارة عابرة إلي إيودورا ويلتي كانت الاعتراف الإقرار الوحيد بأن النساء في الولاياتالمتحدة كانت لهن علاقة بعالم الأدب. قرب نهاية الندوة أوضح دياز أن النقاش تركز فقط علي الرجل الأمريكي الأبيض، لكن هذا كان كما كتبت شمسي قليلاً جداً، ومتأخراً جداً. ذكرت شمسي أنها تتذكر هذه الندوة كلما قرأت مقالاً أو بحثاً جديداً عن عدم التوازن الجندري الموجود في دور النشر، مراجعات الكتب، المواقع القيادية في دور النشر، الجوائز الأدبية، الخ. ومثل نيكولا جريفيث ركزت كاملة شمسي بدورها علي الجوائز الأدبية ممثلة في المان بوكر، التي يهيمن عليها الرجال كما تري شمسي، وحتي الجوائز المخصصة للمرأة والتي جاءت كرد فعل علي قوائم البوكر القصيرة الخالية من النساء، لم تنجح في الحصول علي الاهتمام نفسه الذي تحظي به البوكر. وسؤال محكمي الجوائز والجندر برز العام الماضي حين ضمت القائمة الطويلة ثلاث كاتبات فقط من بين 13 كاتباً وكاتبة شكلوا القائمة. كرد علي هذا، قالت سارة تشيرشيل عضو لجنة تحكيم الجائزة: "نحن نقرأ ما يتقدم به الناشرون..... إذا كانت نسبة النساء ضئيلة في ما يتقدم به الناشرون من أعمال، فهذا إذاً تمييز مؤسسي ممنهج ضد النساء في ثقافتنا." سألت شمسي المسئولين عن جائزة المان بوكر عن نسبة الروايات المكتوبة من قبل نساء التي تقدمت بها دور النشر خلال الخمس سنوات الماضية، فأخبروها أنها أقل بقليل من 40٪. وخلال هذه السنوات الخمس نسبة النساء في القائمة الطويلة كانت أعلي قليلاً من 40٪ ونسبتهن في القائمة القصيرة كانت 46٪، أما نسبة النساء اللائي فزن بالجائزة فكانت 40٪ بالضبط. هي تعترف بأن الأمور تحسنت كثيراً خلال الخمسين سنة الماضية، وتحسنت أكثر خلال العقدين الأخيرين، وتُرجِع هذا التحسن إلي سببين رئيسيين هما دور النشر المخصصة لكتابة المرأة والكتب المكتوبة عنها وأهمها دار نشر "فيراجو"، والجوائز الأدبية المقتصرة علي النساء. هذه الجوائز ودور النشر "منحت النساء فضاءً خاصاً بهن في عالم يسيطر عليه الرجال، أعطت الصوت والمساحة لمن لن يجدنها في مكان آخر." وبناءً علي هذا تقترح شمسي حلها الذي وصفته بالاستفزازي، وهو أن تخصص دور النشر البريطانية عام 2018 لنشر أعمال النساء فقط، ما يضمن هيمنة الكاتبات خلال هذا العام علي واجهات المكتبات والمهرجانات الأدبية ومراجعات الكتب والجوائز. ورأت أن العديد من الكتاب الرجال سوف يدعمون هذه الحملة بالامتناع عن تقديم أعمالهم للنشر في 2018، والمشاركة في قراءة وترشيح والكتابة النقدية عن ما يُنشَر من كتابات النساء! وفي 11 يونيو نشرت الجارديان متابعة لمقالة كاملة شمسي كتبتها أليسون فلوود، جاء فيها أن دار النشر الصغيرة زand other storiesس أعلنت تبنيها لاقتراح شمسي وأنها لن تنشر في 2018 سوي لكاتبات في محاولة لإصلاح عدم التوازن الجندري. وفي هذه المتابعة أخبرت نيكولا جريفيث التي أثارت تدوينتها كل هذا الصخب، أليسون فلوود أن حل شمسي المقترح ليس الجبهة التي يمكنها هي إلزام نفسها بها، وإن كان بإمكانها رؤية كيف بإمكانه أن يكون مفيداً للآخرين، وأن تحفظها الوحيد أن مثل هذه الحل قد يحوِّل الأمر إلي معركة، علي طريقة نحن ضد هم، وهو ما لا تراه الطريقة الأفضل لمقاربة المسألة.