في حوار طويل مع جوناثان فرانزين بمناسبة عيد ميلاده في 17 أغسطس وصدور روايته الجديدة "نقاء"، أبدي شعوره بالاستياء من الجميع بداية من أوبرا وينفري ومرورًا بمحبي الطيور وحتي نظرة الأديبات للتفرقة بين الجنسين. حفلت روايته الأخيرة بانحيازه للنساء، وتدور بعض أحداثها في سانت كروز بكاليفورنيا، حيث يعيش مع رفيقه حياته كاثي، بمنزله الذي يتخذ شكل الهلال، عند أطراف منطقة سكنية بالضواحي تطل علي محمية أشجار خشبية علي الجانب الآخر من المحيط الهادئ. فرانزن أحد الروائيين الأمريكيين القلائل الذين يطل منزلهم من ثلاثة اتجاهات علي جيرانه، يقول: "تبة فيليب روث العالية في كونيتيكت ليست كذلك، علي أي حال أحظي برؤية جيدة من أعلي السطح "الروائي يطمح في مراقبة الطيور، وتكاليف الصيانة العامة تسمح له بفترة سماح خمس سنوات قبل تسليم رواية جديدة". هناك سؤال يشكل عنصرا أساسيا عند الكتابة، وكذلك عند الترويج للرواية، وهو أحد الأسئلة التي ناضل فرانزن كثيرا للإجابة عليها، ويتعلق بكيفية احتفاظه بشبابه وهو في الخامسة والخمسين، بينما هو أيضا أحد الذين تنتابهم حالة عصبية من حين إلي آخر، وفي آخر اختبار للقيادة حصل علي درجة عالية في مقياس القابلية للغضب. يعلق فرانزن: كانت هناك 11 علامة إنذار تدل علي احتمال تعرضي لغضب الطريق، حصلت علي تسعه منها"، سمعته في المعارك التي يخوضها سواء التي يختارها أو المفروضة عليه، مثلما يحدث عند مناقشة جودة أدبه، إنه يغضب الناس بصورة غير عادية، ربما يبدو ذلك شيئا مطمئنا كروائي، نظرا للنقاش الدائم حول ملاءمته لهذا الدور، إلا أنه أكسبه الازدراء عبر سنوات من مستخدمي التواصل الاجتماعي، والداعين للحفاظ علي البيئة، وبعض شرائح المؤيدين للمساواة بين الجنسين، والروائيين الأقل مرتبة منه، ومراجعي الكتب الأساسيين في نيويورك تايمز، ومحبي أوبرا وينفري. يقول فرانزين إن ذلك يشعره ب"الألم والخجل" أن يصبح هدفا لمثل هذا الغضب، إلا انه أيضا غير نادم، "فلا يلبث أن يموت أحد النقاشات حتي يبدأ آخر"، آخرها كان في أعقاب مقال طويل كتبه في النيويوركر في أبريل الماضي، أشار فيه إلي أنه خلافا لبحث نشرته مؤسسة خيرية للحفاظ علي الطيور "جمعية أودبون الوطنية" تؤكد فيه أن التغيرات المناخية لا تشكل تهديدا لرعاية الطيور، قال إن هناك تهديدات أكثر إلحاحا مثل الصيد، واصطدام الطيور بالزجاج الأمامي للسيارات، فاتهمه المجتمع" بخيانة الأمانة الفكرية"، إلا أن ذلك كان ربما تجربة مرضية إلي حد بائس، ساعدته علي التنبؤ بموضوع روايته القادمة، يقول:"كنت خجولا من روايتي "التصحيحات"، محرجا من استمرار اهتمامي بالأسرة، "نقاء" تتناول حكاية فتاة في بداية العشرينيات تدعي بيب، وشخصية أخري أندرياز وولف، علي شاكلة جوليان أسانج، يدير منظمة منافسة لويكيلكس، أطلق عليها "مشروع أشعة الشمس". ثقافة الإنترنت، من بعض النواحي، المصدر الأساسي لإلهام فرانزن، الذي يبدو في أقوي حالاته حين يناقش الفجوة بين كيف نري أنفسنا وكيف يرانا الآخرون، الموجودة حاليا علي الإنترنت. لكنها حالة غريبة، رواية عن التكنولوجيا من شخص يعلن أنه لا يحب استخدامها، سنوات طويلة ظل فرانزن يتحدث عن التشويش ومنع اليو إس بي للمعلومات من دخول الكومبيوتر، ومؤخرا وبخ سلمان رشدي لإضاعته الوقت علي تويتر. ذلك النفور جزئيا شيء جمالي- الإيجاز الشديد لتويتر يزعج فرانزن- وهو رد فعل جزئي حين أطلق عليه "الشمولية" لثقافة الإنترنت، حيث القصاص بواسطة الغوغاء يمكن أن يصبح ضخما وسريعا، ويحتوي معلومات خاطئة تؤدي للعنف. ما يدعو للسخرية في كل ذلك أن فرانزن، ذلك الروائي الأبيض الذكر، الذي كثيرا ما يكيل الاتهامات للنخبة، في سياق هذا السيناريو يصبح مهضوم الحق، مضيفًا:"في مسألة شبكة الإنترنت، يمكنك تجاهله، أو التواطؤ معه، وفي كلتا الحالتين تكون متورطا في علاقة به، وتلك هي الشمولية". وبالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي يقول:"تبدو مثل مضرب الحماية في لعبة الراكت، سوف يقتل سمعتك، إلا إذا شاركت في ذلك الشيء الذي في الأساس جزء من عمله قتل السمعة، لماذا كان علي تغذيته". قراءة جوناثان بوجه عام مثل مراقبة نجم بيسبول، مع علم مسبق أن وراء تلك الانحناءة العشوائية موهبة لاعب مبدع وعشرة آلاف ساعة من التدريب. نثر فرانزين جامد، ليس سريع الانفعال، يكاد يكون عقلانيا بشدة، مصنوع من جمل طويلة مخطط لها بدقة، مدججة بالسخرية المتأصلة في جذوره الكوميدية، علي عكس زميله ديفيد فوستر والاس، لم يكن أبدا متماشيا مع العصر ولم يكن طليعيا، فهو يأخذ كل شيء علي محمل الجد فيما يتعلق بأسلوب ما بعد الحداثة، كما لم يسقط بسهولة داخل حزمة "الفئران الأدبية". عن ذلك يقول: "أنظر إلي ماكيوان وإيميز وهيشنر كحزمة واحدة، ولا أعتقد أن تلك طريقة تلقي نجاحا كبيرا لدينا في الولاياتالمتحدة، وتلك ليست فجوة بين الأجيال، علي الأقل بالنسبة لتجربتي، ما يفرق الناس إلي حزم ليس العمر، إنما التذوق" لفترة طويلة شعر فرانزن بغضب من النقص النسبي في تقدمه الأدبي منذ بلغ الأربعين، حيث استغرق عقدا من السنوات لكتابة روايتين هما "المدينة السابعة والعشرين" و"الحركة القوية" وكلتاهما لاقت استحسانا من النقاد والقليل من البيع، فسحب نفسه بعيدا نحو كل ما لا يتعلق بالأدب، ليس لانهياره، ولكن لتقصير في الثقافة وصفه ب"خيبة أمل" في القراءة الأمريكية عموما، ذلك الموقف المبالغ فيه دعا الناقدة ميشيكو كاكوتاني إلي تسميته بالحمار في نيويورك تايمز. فرانزين، مبتسما، عزا ذلك إلي أنه ربما يكون لا يطاق قليلا في بعض الأحيان، وكان رده علي ميشيكو أن "ما قالته إساءة تعبير تفتقر روح الدعابة". من المهم هنا الإشارة إلي خلفية فرانزن التي تعود إلي الغرب أوسطي، حيث نشأ في إحدي ضواحي سانت لويس بولاية ميسوري، وهي جزء من أمريكا، مع هوية إقليمية عميقة الجذور من التواضع، لذا غطرسة فرانزين بطريقة أو بأخري ادعاء إذا حقق نجاحا كما يقول:" أصبح في إمكاني العودة إلي تواضعي الغرب أوسطي الأصيل"، خجله لا يعني أن يكون متغاضيا، لذا، يتألم ويصاب بالحيرة حين يسمع وصفه بأنه كاره للبشر قائلا:"أنا لا أكره الناس، أنا أحب الناس". هناك سطر في "نقاء" ينطبق علي شخصية "أنابيل" قد يكون المؤلف فيها يعالج نفسه:"ظلت تنفر الناس بنظرية أخلاقية، وإحساسها بالسمو الذي كان في الغالب الشخصية السرية للخجل". كل شيء تغير مع روايته "التصحيحات" التي تحكي حياة عائلة "لامبرت" و"أنيد" وهما مقاتلان من المحاربين القدامي، وأولادهما الثلاثة المختلين، لتلك الأسرة الخيالية أوجه تشابه قوية مع عائلة فرانزن، والده مهندس في السكك الحديدية، ووالدته ربة منزل، بالرغم من انه يقول:"كلما اقتربت الكتابة من السيرة الذاتية، تصبح أقل التصاقا بالتجربة المعاشة فعليا، وتنحو تجاه معني البدء في الخروج من التجربة، لأن عندها تبدأ الاستفادة الفعلية من طبيعة الكاتب". لم تراود فرانزن آمال عظيمة حول "التصحيحات"، يقول: "ظننت أنني أكتب لجمهور قليل وكان علي وضع كل الأشياء التي كانت مخزية بحق. من الصعب تصور الآن أنني كنت أخجل من تأليف كتاب، خجلا عميقا، خجل يعوقني عن كتابة أمنية أٌم أن تجتمع الأسرة في عيد الميلاد". لأنك شعرت أنها قماشة صغيرة جدا. كانت صغيرة، وكنت محرجا أنها جاءت من الغرب الأوسط البريء، وكنت محرجا أنني مازلت مهتما بالأسرة، وكانت هناك العديد من الأشياء الأخري، غرابة شخصية شيبسي، تنسحب علي مدي إحساسي بالغرابة، انت تكشف الأشياء المشينة لأشخاص.. ذلك ما يدفعهم للجوء إلي الخيال، وسبب قراءتهم لكافكا، وديستويفسكي، لكنه جمهور قليل. رواية "التصحيحات" المنشورة سنة 2001 حين كان في الثانية والأربعين من عمره باعت أكثر من ثلاثة ملايين نسخة، يقول: "ببساطة لم يعد ملائما أن أغضب". العلاقات الجيدة صنعت من أجل روايات مملة، وعلي مدي الثلاث عشرة سنة السابقة عاش فرانزن مع "كاترين شيتكوفيتش" الكاتبة والمحررة التي أقنعها بالترحال معه لأربعة شهور بعد "التصحيحات". يعلق علي ذلك بقوله: "لم أشعر بالملل، انها تساعدني علي التفكير بشكل أفضل، وتعرف الكثير من الأشياء، ومن الصعب أن تفلت من جدال خادع في وجودها، ولا أعتقد أنني استطيع العيش مع شخص لا تربطني به صداقة فكرية، ربما يمكن أن يحدث ذلك مع كلب" في أواخر سنة 2006 بدأ فرانزن يشعر بشيء ينقصه في حياته، بينما كان يقترب من الأربعين من عمره، وأصبح ناجحا للغاية، وارتفع أجره، مع استقرار حياته الزوجية. إلا ان ما ينقصه هو الوصول إلي الشباب، يقول:"أمضيت فترة وجيزة أتساءل إن كان ينبغي علي تبني طفلا، إلا أن هنري فيندر رئيس تحريري في "النيويوركر" شعر بالفزع من هذه الفكرة. كنا نجلس في بار عندما قال: أرجوك لا تفعل ذلك" مكملا بسخرية: ربما يمكننا استئجار بعض الصغار". منذ عام تفحص فرانزن بشكل منتظم بعض الخريجين الجدد من جامعة بيركلي كجزء من دراسة، يقول: "كانوا أطفالا تخرجوا لتوهم من الجامعة، تعرف علي إحداهن وكتبت مقالا للنيويوركر حول تلك التجربة. هل اقترابك من الشباب أزكي رغبتك في إنجاب طفل؟ - اوه لقد كان شيئا مجنونا، فكرة أن نتبني كاتي وأنا يتيم من الحرب العراقية، استمرت ربما لستة أسابيع، وأمتعني هنري بأنها فكرة سيئة، وأحد الأشياء التي دفعتني لوضع هذا الموضوع في اعتباري شعوري بالاغتراب عن جيل الشباب الذي يبدو من الناحية السياسية ليس بالطريقة التي يجب أن يكون عليها. أعتقد من المفترض أن يكون الناس مثاليين وغاضبين.