في ما يتعلق بتجربتي الذاتية ، ارتبط سياق النشر خارج المغرب ، بالهجمات الشرسة ضد الجماعات الأدبية الطليعية، التي ساهمتُ في تأسيسها خلال مستهل تسعينيات القرن الماضي، وأخص بالذكر جماعتي: بالغاضبون الجددا وبالكوليزيوم القصصيا. هجمات في شكل حصار ممنهج من قبل القوي المحافظة داخل مؤسسات تدبير الشأن الثقافي. وهجمات من العماء النظري الذي قوبلت به الكتابة الجديدة وجماليات الجيل الثاني من التجريب، التي ناديت بها بمعية زمرة قليلة من الأصدقاء المنتمين إلي نفس الحساسية الإبداعية، وذلك عبر بيانات صاخبة شكلت في حينها، بالنسبة للسلف الصالح وفقهاء النص السردي العمودي، حالة طوارئ قصصية، لأننا دعونا إلي حفر البئر من الأسفل عن طريق الإجابة عن سؤال مركزي حارق هو: كيف وماذا يمكن أن يقول النوع القصصي بعد موت الحكاية؟ إذن، هي عملية نفي وتهجير قسرية فرضتها اشتراطات واقع ثقافي ممانع، لفظ هذه الأقلية الأدبية المنبوذة، وشد الخناق وقطع الطريق عن النص الذي يتحلي بشمائل المستحدث والمختلف والمغاير والمزعج. فكان لزاما الارتحال به صوب آفاق تداولية أرحب وأكثر ديمقراطية وحداثوية، حيث يمكن أن يفهم داخل بأرض الغريبا علي نحو أفضل ومن دون أحكام مسبقة أو سوء فهم ذي طبيعة بانقلابيةا تجاه بالمؤسسةا. فبعد مجموعاتي الثلاث الأولي التي طبعتها في المغرب. أقول بطبعتها«، لأن المغرب لا يتوفر علي ناشرين حقيقيين بالمعني الحرفي للكلمة، بقية كتبي الأخري أصدرتها في دور نشر مشرقية بكل من القاهرة ودمشق وعمان. وإذا ما وددت أن أقصر الكلام علي تجربة النشر في مصر، فإنني لا أنسي بتاتا فضل صديقي الروائي الكبير وحيد الطويلة، إذ كان أول من نصحني بالإقدام علي هذه الخطوة الحاسمة، بل هو من تكلف شخصيا بنشر مجموعتي بثقل الفراشة فوق سطح الجرسا ضمن إصدارات بالدار للنشر والتوزيعا التي كان قد أسسها آنذاك الروائي القدير مكاوي سعيد ورفيقه محمد صلاح مراد. وحيد الطويلة نفسه، الذي أدين له، كما يدين له كتاب عرب آخرون، بجميل نشر طبعة جديدة من مجموعتي بالشركة المغربية لنقل الأمواتا بالمجلس الأعلي للثقافة في فترة ولاية الناقد الفذ شاكر عبد الحميد. لقد كان من الممكن أن أحتفظ بهذه الجواشن بيني وبين صاحب بباب الليل«، لكنني من باب إيفاء الرجل حقه، والإشارة إلي جسر المحبة المتين الذي يلعبه بين المشرق والمغرب، آليت علي نفسي أن أمحضه الوفاء الذي يستحقه. وفي غضون السنوات القليلة المنصرمة، لم يزايلني هذا الهوي المصري الجياش، فتعرفت علي هامش إحدي دورات معرض تونس للكتاب علي الصديقة الدكتورة فاطمة البودي، ولمست في السيدة ثقافة عالية واحترافية مهنية وذائقة منتصرة لكتابة الأجيال الجديدة. ومن باب الاقتناع الفكري بمشروعها، نشرت في بدار العينا ثلاثة كتب هي: باعتقال الغابة في زجاجةا وبأريج البستان في تصاريف العميانا وبمصحة الدميا. في الحقيقة، أعتبر تجربة النشر ضمن بدارالعينا هي الأقرب إلي قلبي، وأنا راضٍ عنها تمام الرضي لمسوغات عاطفية خالصة : أولا، لنوعية الكتاب والأدباء الذين أنشر معهم في الدار وأحب كتاباتهم وأحسني أنتمي إلي أفقهم من أمثال: عزت القمحاوي، وطارق إمام، ولؤي حمزة عباس، ومصطفي ذكري، ومنصورة عز الدين، وعز الدين شكري فشير، وأحمد عبد اللطيف، وعمر علوي ناسنا، وهشام البستاني، وهشام أصلان، وأحمد الفخراني، وإسماعيل غزالي، وإبراهيم فرغلي، ورانيا مأمون، وحمور زيادة. ثانيا، اعتبارا للصدي الذي خلفته هذه المؤلفات، نقديا وفي أوساط القراء، بحكم جودة توزيع الدار وحضورها المواظب في كافة المعارض العربية . ثالثا، بالنظر إلي دور الوكيل الأدبي الذي لعبته الدار في ترجمة كتبي إلي لغات أخري ، خاصة الإنجليزية والفرنسية والصينية. رابعا، لكوني لم أدفع درهما واحدا بغرض النشر، بل إن مديرة الدار تمنحني كل عام حقوق الإلهام لتأليف كتاب جديد حسب عقد المحبة المبرم بيننا. وأخيرا، لأن كتبي أصبحت داخل المغرب مثل اللاعب المحترف، بمجرد أن يتناهي إلي السمع أنه يلعب في فريق أجنبي ينادي عليه مباشرة للمنتخب الوطني. والقياس مع بدار العينا صحيح تماما، فأنا دائما في التشكيلة الرسمية! كاتب وقاص مغربي