تجاربي الأولي للنشر بلا شك كانت في السودان (روايتا تخوم الرماد وذاكرة شرير ط 1)، لكن ولظروف التضييق الأخيرة علي الناشرين وبسبب التضخم الاقتصادي الذي يضرب البلاد، توقفت كثير من دور النشر السودانية عن نشر الكتاب، كما تراجع مستوي النشر. السودان يواجه مشكلة كبيرة في هذه الناحية وما يشبه الحرب الرسمية الممنهجة ضد الكتاب والكتاب وما بينهما من عمليات نشر وتوزيع، فالمعارض الشبابية الكتاب المستعمل أوقفت بتوجيه من السلطات الأمنية، والجمارك المفروضة علي الورق والكتاب المستورد ضُعفّت مئة بالمئة، إضافة إلي ما يمارس من تضييق وتطفيش لدور النشر العربية لاسيما في معرض الخرطوم الدولي للكتاب الذي يفترض أنه أكبر تظاهرة ثقافية محلية للنشر؛ فدور النشر العربية هجرت هذا المعرض بسبب الرسوم العالية وارتفاع أسعار الدولار والتعامل المجحف مع الكتاب باعتباره سلعة مثلها مثل بقية السلع. في ظل هذا الوضع المتراجع يصبح النشر داخل السودان محدودا ومهددا بالفشل في أي لحظة، هذا إلي جانب عجز هذه الدور إن تمكنت من النشر في المشاركة بالمعارض الخارجية والإسهام بالتالي في إيصال صوت الكاتب السوداني إلي الآخرين. أما عن النشر عربيا فآخر ناشرين تعاملت معهما، هما دار أوراق للنشر (مصرية) ودار العين (مصرية) أيضا، وقبلهما نشرت عن طريق الدار العربية للعلوم ناشرون (لبنانية). في التجربتين الأخيرتين، أسهمت عوامل تتعلق بالتوقيت في تغيير الناشر خلال أقل من ستة أشهر، وذلك لارتباطي بمواعيد مسبقة للنشر مع الجهة الراعية للكتاب (آفاق رواية آخر السلاطين)، لذا انسحبت بعد اعتذار عن نشر الرواية عن طريق (العين) وسلمت الكتاب لدار أوراق وهي دار نشر جديدة تركز علي الكتاب السوداني بصفة خاصة، ووجدت لديهم معاملة طيبة وأسلوبا ممتازا في النشر، ووعدا باستمرار التعاون إثر نجاح تجربة النشر الأولي خاصة داخل السودان. (العين) بلا شك دار نشر كبيرة وجدولها مزدحم علي الدوام وهو السبب الذي دفعني للنشر في المرة الثانية خارج مدارهم، وتجربتي معهم في النشر كانت ناجحة إلي حد كبير، فالدار وفرت الرواية (أشباح فرنساوي) في كل المعارض العربية التي أقيمت مؤخرا إلي جانب محاولتها الجادة لإيصال الكتاب إلي الخرطوم وقد نجحت في ذلك، وهذا يختلف عن تجربتي الأولي في نشر (ذاكرة شرير ناشرون اللبنانية) إذ غاب الكتاب عن أغلب المعارض الكبيرة، لأسباب أجهلها. أعتقد أن أهم ما يجب توفره لدي دور النشر إضافة إلي المكتب التحرير والتدقيق المتخصص القدرة الإعلانية الجيدة، والنشاط الدؤوب في إقامة الندوات التعريفية والنقدية بالكاتب والكتاب، إلي جانب التمتع بشبكة علاقات جيدة خارجياً أعني الترجمة والمشاركة الدائمة في معارض الكتاب العربية وإلي حد ما الأجنبية، وهذه معايير أري أنها مهمة للنشر الحديث، وتتعلق أساسا بترويج الكتاب وإيصاله إلي القارئ أينما وجد، وهذا بلا شك الهدف الأخير لأي كاتب، أن يُقرأ مؤلفه. روائي سوداني