جاءت إلي القاهرة قادمة من المنصورة في أوائل التسعينيات، لتصطدم بصورتين جاهزتين للشاعرة: الشاعرة ضمير الأمّة وكان سهلا الانسياق إليها لخلفيّتها اليساريّة، والشاعرة الأنثي المُلهمة وهو ما حال تكوينها الجسديّ دونه كما تُمازح. لكنها اختارت طريقا ثالثة خالصة ل"الشعر". راجعت إيمان مرسال سنوات التكوين وتصوّراتها عن الشعر والقصيدة الغنائية في أُمسيّة حواريّة لم تخل من إجابات كالطّلقات أدارها بإعداد لا يقل تمكنا الشاعر والمترجم أحمد شافعي، وحضرها جمهورٍ عريض فاض بمسرح روابط "تاون هاوس" الأسبوع الماضي، قرأت فيها إيمان مسودّات لقصائد جديدة وقصائد برلينية، ووقعت نسخا من دواوينها وسط تحلق أطفال! منذ صدور ديوانها الأوّل المؤسّس "ممرّ مُعتم يَصلح لتعلّم الرقص" سنة 1995، ومرسال تَنتهج موقفا خاصا من الكتابة والعالم والقضايا الكُبري يَختبيء ويَحتمي بالسخرية أحيانا أمّا اليوم فتقول: "كنت عنيفة لحماية شيءٍ أهم، عندما حيّاني أحدُهم بأيّتها الشاعرة الرقيقة، لم أكن لأتصوّر قدحا للذات أكبر من هذا، من المؤكد أنني ساهمت في الصورة الذهنية عنّي، بسبب من ضعفي وليست قوّة كما يُشاع، لكنّني فوق كل هذا اعتقد أنني قُريئت جيّدا". صاحبة "جغرافيا بديلة" أشاعت روحًا مرحة طوال أمسية للشعر تجتذب لأول مرة هذا الزخم في الحضور والنقاشات الواعية من قبل محبي مرسال وقارئيها الذي أكد أحدهم أنه كان يقرأ ديوانها الأول بين أيام امتحانات الثانوية. رَأت إيمان مرسال في الأمسية أنّ "الشكل" المغاير في قصيدة النثر لا يجب الاحتفاء به بوصفه إنجازا أدبيا، وأن تصوير شعراء قصيدة النثر علي أنها جماعة سريّة تقبض علي كنز لا مثيل له تصوّر بدائيّ غير مُكتمل ويحتاج إلي إعادة نظر. وقالت مرسال المقيمة في الولاياتالمتحدة الأميريكية وتعمل أستاذًا مساعدا للأدب العربي ودراسات الشرق الأوسط بجامعة ألبرتا بكندا إنه حتي الآن لم تنجح السجالات النقدية حول قصيدة النثر في تقديم نفسها كحوار حقيقي عن أسئلة الشعر، موجودة لأن الصفحات الثقافية تحتاج إلي ما يملؤها بينما "أهدرت من طاقاتنا الكثير". إلي هنا لم تكتف مرسال في أجواء من "عفويّة متمكّنة" ميّزت الأمسية؛ بآرائها الصريحة الحادّة المعهودة، وظلّت تتلو "طُرفاتها" علي الحضور، منها ما يَخص حرصها علي قراءة "الأدب الرديء" كمكوّن لا يَقل أهمية، وأوردت مثالًا بكتاب "عذاري المنصورة" عمّا تفعله المبالغة بالكاتب والإلهام بفكرة الطريق المسدودة في الكتابة. أوضحت مرسال أنّ الشعر احتل ذيل قراءات مرحلة التكوين، في مقابل اتّساع الدائرة لكل ما يروي ظمأ الأسئلة الكبري التي بلا إجابات، وشرحت أنّه مثلما يتشكّل مع الكاتب مجتمعٌ يمثّله يقتطعه من المجتمع الأكبر، يتولّد "مجتمعٌ من النصوص" مماثل، كانت للفلسفة وكُتب سمير أمين النصيب الأكبر فيه بالنسبة لمرسال نظرا لنشأتها واهتماماتها المبكّرة بالماركسية. ولفتت إلي "القراءات الخاطئة للكتب الكبري" كإحدي منابع التكوين وهو ما حدث مع قراءتها لفوكو، وكيف حمّلته نتيجة وطأة "مساءلات البراءة الفكريّة" أفكارا من قبيل أن الكاتب لا يُعيد ترتيب الماضي، وكأن هذه وظيفته! فضلا عن قراءتها وملازمتها لشاعر العامية الراحل مجدي الجابري. تناولت المُحاورَة موضوعات أخري مثل الاغتراب والغنائيّة في الشعر، وأكّدت إيمان مرسال علي أن ثيمات الحنين والغُربة لا تمثّلها: "لا أري في غُربتي مشكلة، غُربتي في بلدي في التسعينيات كانت أكبر"، ثم علّقت علي سؤال عن "السخرية" كإحدي ملامح القصيدة التي تكتبها مرسال بأنها "حلٌ إنسانيّ وزاوية نظر"، وأن ثمّة قضايا كُبري موجودة أحيانا في الأشياء غير الكُبري. ناقشت الشاعرة المصرية كذلك فكرة "المكان في الكتابة" علي أنه مُراوَحة بين مناطق عديدة وجديدة تتعلّق بالصوت الشعري، وليس المكان الجغرافي فحسب، وأنه لولا الاغتراب لما كتبت عن قرية المنشأ "ميت عدلان" علي النحو الذي فعلته في "حتي لا أتخلي عن فكرة البيوت" بلا "حنين" أو "أسي". تُخبّيء إيمان قصائد إيروتيكيّة تقول إنها مُفاجئة وحتميّة لن تنشرها إلا بعد إتمام ابنها الوحيد سن الثامنة عشر، تأخذ علي بعض الدواوين الصادرة حديثا لشعراء كبار وشباب ما أسمته "الردة علي صورة الكاتب التي كان يخلقها لنفسه في الستينيات"، وتعتقد أن الشعر الثوري الجديد المعبّر عن ثورات الربيع العربي والثورة المصرية بالتحديد لم يُكتب بعد، وأن الحادث هو استحضار قصائد بعينها تجمّدت عن قصد في كل مرّة لتحقيق معان ومصالح متعارضة.