افتتاح مؤتمر الواعظات بالأكاديمية الدولية    سبب الاندفاع العالمى نحو الذهب    تقرير: الشرطة الإسرائيلية تداهم مكاتب الجزيرة بالقدس    باحث يكشف أبرز ملفات النقاش على طاولة مباحثات ماكرون والرئيس الصيني    الخارجية الفلسطينية تطالب بتفعيل نظام الحماية الدولية للشعب الفلسطيني    الجيش الروسي يعلن السيطرة على قرية أوشيريتين الأوكرانية بشكل كامل    مباشر – الشوط الأول .. سموحة 0 × 0 الزمالك    شواطئ وحدائق المحافظات جاهزة لاستقبال الزوار في شم النسيم    مجازاة مدير مدرسة عقب تداول امتحانات الصف الرابع بتعليم ببا في بني سويف    كل سنه وانتم طيبين.. عمرو سعد يهنئ متابعيه بمناسبة شم النسيم    انطلاق منتدى تكوين الفكر العربي الأول تحت ظلال الأهرامات    فسيخ ورنجة    تامر عاشور يضع اللمسات الأخيرة على أحدث أغانيه، ويفضل "السينجل" لهذا السبب    بالفيديو.. أمينة الفتوى: الحب الصادق بين الزوجين عطاء بلا مقابل    أمينة الفتوى: لا مانع شرعي فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    استشاري يوضح إتيكيت أكل الفسيخ والرنجة (فيديو)    «معلومات الوزراء»: مصر تحرز تقدما كبيرا في السياحة العلاجية    «الصناعات الهندسية» تبحث تعميق صناعات الكراكات بمصر    يوسف زيدان يرد على اتهامه بالتقليل من قيمة عميد الأدب العربي    تكثيف أمني لكشف ملابسات العثور على جثة شاب في ظروف غامضة بقنا    توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وشركة «إكسيد»    انطلاق مباراة ليفربول وتوتنهام.. محمد صلاح يقود الريدز    "صحة المنوفية" تتابع انتظام العمل وانتشار الفرق الطبية لتأمين الكنائس    «حافظا على صحتك».. تحذيرات من شرب الشاي والقهوة بعد تناول الفسيخ والرنجة    الأهلي يبحث عن فوز غائب ضد الهلال في الدوري السعودي    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    الآن.. طريقة الاستعلام عن معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    انتشال أشلاء شهداء من تحت أنقاض منزل دمّره الاحتلال في دير الغصون بطولكرم    وزير الرياضة يتفقد مبنى مجلس مدينة شرم الشيخ الجديد    نفوق 12 رأس ماشية في حريق حظيرة مواشي بأسيوط    الحكومة الإسرائيلية تقرر وقف عمل شبكة قنوات الجزيرة    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    وزارة العمل تنظم ندوة لنشر تقافة الصحة المهنية بين العاملين ب"إسكان المنيا الجديدة"    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    موعد استطلاع هلال ذي القعدة و إجازة عيد الأضحى 2024    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    وزير الرياضة يشكل لجنة للتفتيش المالي والإداري على نادي الطيران    لاعب فاركو يجري جراحة الرباط الصليبي    «شباب المصريين بالخارج» مهنئًا الأقباط: سنظل نسيجًا واحدًا صامدًا في وجه أعداء الوطن    حفل رامى صبرى ومسلم ضمن احتفالات شم النسيم وأعياد الربيع غدا    بالتزامن مع ذكرى وفاته.. محطات في حياة الطبلاوي    جناح مصر بمعرض أبو ظبي يناقش مصير الصحافة في ظل تحديات العالم الرقمي    استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على بلدة ميس الجبل جنوب لبنان    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 3 مج.ازر في غزة راح ضحيتها 29 شهيدا    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    بين القبيلة والدولة الوطنية    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    في إجازة شم النسيم.. مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة بالغربية    تكريم المتميزين من فريق التمريض بصحة قنا    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يفوز بجائزة الدولة التقديرية بعد سنوات طويلة كان مستحقا لها
ناجي شاكر : بدلا من أن نطور فن العرائس تخلفنا ولكن يبقي الأمل في الشباب
نشر في أخبار الأدب يوم 18 - 07 - 2015

طاردته العرائس صغيرا، واختطفته وحلقت به عاليا في عالمها المسحور، فوقع في غرامها، وارتبط قدره بها، واختارته ليكون هو رفيقها الذي يفتح لها البوابات لتعبر إلي عالم الواقع فتحكي حكاياتها ليس للصغار فحسب وليس في مصر فقط .. هو ذلك الرجل الذي منح الحياة لكل تلك العرائس التي عشقها المصريون في كثير من المسرحيات وأشهرها في مصر علي الإطلاق أوبريت الليلة الكبيرة.
"سمعنا يا ريس حنتيرة .. للصبح معاك السهيرة ".. تلك الكلمات البديعة التي كتبها جاهين وخرجت مغزولة بألحان مكاوي علي لسان الأراجوز .. وبائع الحمص .. وبائع البخت ..والقهوجي .. والعمدة .. والراقصة .. ومدرب الأسود .. والمصوراتي .. والمنشد وغيرهم من الشخصيات التي خرجت إلي الحياة من خيال العبقري ناجي شاكر مصمم العرائس الأشهر في مصر .
وناجي شاكر اسم ارتبط بعدد كبير من مسرحيات العرائس التي عشقها الكبار والصغار، وكان واحدا من القلائل الذين غيروا مفهوم مسرح العرائس في مصر .. فهو من صمم عرائس وديكور مسرحية "الشاطر حسن" التي افتتح بها أول عرض لفرقة مسرح العرائس بالقاهرة، وهو من صمم ديكور وعرائس العرض الثاني لمسرح العرائس "بنت السلطان" تحت إشراف خبيرات من رومانيا، وفي عام 1960 صمم عرائس "أوبريت الليلة الكبيرة " التي اشترك بها المسرح في مهرجان بوخارست الدولي للعرائس والتي فازت بالجائزة الثانية عن تصميم العرائس والديكور.
وفي الفترة من 1960 إلي 1963 حصل ناجي علي منحة دراسية من ألمانيا الغربية، درس خلالها المسرح في كلية الفنون الجميلة في برلين وفنون العرائس والإخراج في كلية الفنون في براونشافيج، وخلال دراسته أثناء المنحة الدراسية عاد لعدة أشهر لتصميم عرائس وإخراج أوبريت حمار شهاب الدين أشعارصلاح جاهين وألحان سيد مكاوي.
وفي عام 1964 أعد ناجي وصمم وأخرج مسرحية "مدينة الأحلام" التي غيرت شكل مسرح العرائس مرة أخري حيث اختار أن يقدم المسرح الأسود وخيال الظل للتعبير عن أفكاره، وفي عام 1967 أعد وأخرج مسرحية "دقي يا مزيكا " لمسرح العرائس من أشعار فؤاد حداد.. ولأول مرة يقوم مجموعة من الممثلين بالأداء التمثيلي والغنائي الحي علي المسرح بجانب دورهم في تحريك العرائس بمختلف أنواعها وتقنياتها، ولم تكن هذه المسرحية موجهة للأطفال فحسب، ولكنها كانت أيضا مسرحية للكبار قامت علي انتقاد بعض الأوضاع الاجتماعية والسياسية.. وهي التجربة التي كررها بعد عدة سنوات من خلال مسرحية "شغل أرجوزات " التي أنتجتها فرقة الغد للعروض التجريبية وقدمت في ساحة وكالة الغوري عام 1993 ، وتقوم الفكرة التي طرحتها المسرحية علي نقد الجانب السلبي في الشخصية المصرية من خلال الأراجوز.
وفي عام 1971 وجهت إليه دعوة من مسرح تسندريكا للعرائس ببوخارست لتقديم عمل من تأليفه هناك، وكعادة ناجي خرج بفكرة غيرت شكل المسرح تماما، من خلال المسرحية التجريبية "الولد والعصفور" التي صممها وأخرجها، والتي قدم من خلالها تجربة غير مسبوقة في بوخارست .
ولكن ناجي شاكر خريج كلية الفنون الجميلة عام 1957 لم يكتف بكل ما حققه في عالم العرائس، فقد سحرته السينما بعالمها الثري منذ الطفولة فعندما أوفد في بعثة تعليمية للحصول علي درجة الدكتوراه في ديكور المسرح بكلية الفنون الجميلة بروما .. التحق كطالب منتسب بالمراكز التجريبية للسينما ، وهناك أثناء بعثته في إيطاليا اشترك مع مجموعة من الشباب في انتاج فيلم تجريبي بعنوان "صيف 70" ، وقد قام بتأليف الفيلم وإخرجه مناصفة مع مخرج إيطالي يدعي "باولو ايسايا" ، وفي عام 1972 اشترك الفيلم في مهرجان سان مارينو للأفلام للأفلام التجريبية "خارج المسابقة" وأشادت لجنة التحكيم بالفيلم ضمن تقريرها لمنح جوائز المسابقة ، وبعد ما يقرب من 30 عاما وفي عام 2010 تم اختيار الفيلم لينضم لأرشيف المكتبة التجريبية في متحف الفن الحديث بنيويورك وتلقي دعوة من المتحف لتقديم عرض الفيلم في 12 نوفمبر 2010.
ولم تكن هذه هي تجربته الوحيدة مع عالم السينما ، حيث تولي تصميم ديكور وملابس فيلم "شفيقة ومتولي " وحصل علي جائزة من المهرجان القومي للسينما عن الإشراف الفني وتصميم الديكور .
وقد صمم شاكر ديكور وملابس بعض المسرحيات مثل "سهرة مع الجريمة " لتوفيق الحكيم وإخراج حسن عبد السلام ، ومسرحية "الزير سالم" لألفريد فرج وإخراج حمدي غيث، ومسرحية "الزفاف" إخراج محمد مرجان ، ومسرحية "الكل في واحد" التي تجسد حياة توفيق الحكيم منذ طفولته وحتي آخر مراحل حياته والتي أخرجها ممدوح طنطاوي ، و"غربة"
كذلك ساهم د.ناجي شاكر في تأسيس قسم الفنون التعبيرية بكلية الفنون الجميلة حيث يعمل أستاذا غير متفرغ بها حاليا ، وقد أقام شاكر في 2015 معرضا فنيا متميزا تحت عنوان "حديث الضوء" وهو معرض تجريبي والذي يعتبر امتدادا لتجربته الفنية في مسرحية "مدينة الأحلام".
حكايات عديدة لا تنتهي ، وابتسامة رائعة لا تفارقه .. دخلنا عالم ناجي شاكر الساحر، الذي يجيد الحكي ببراعة كما يجيد خلق عوالم من الإبداع
ارتبطت بعالم الأطفال، فهل تتذكر كيف أثرت فترة الطفولة علي تكوينك الفني؟
أنا مولود من بدايات القرن الماضي في الثلاثينات في منطقة الزيتون، وكان بيتنا محاصرا في منطقة ما بين الريف والحضر، في مثل هذا الإطار كانت هناك الكثير من فنون الشارع مثل الأراجوز وصندوق الدنيا وخيال الظل، كنا نشاهد الحواديت ونستمع إليها ، وهكذا كانت بداية معرفتي بالفن من خلال الفنون الشعبية ، كان بإمكاننا وقتها أن نحضر زارا بكل مفرداته وطقوسه الشعبية والفنية، يمكن القول أنه كان هناك تلاحم بين طبقات المجتمع المختلفة، وكانت الحكايات حاضرة أمامنا طوال الوقت.
أتذكر أيضا تلك الحواديت التي كانت ترويها مربيتنا تلك الفتاة القادمة من الدلتا عن عقلة الأصبع والعفاريت وغيرها، وكانت عندما تصطحبنا إلي السوق كانت تشعر بالخوف علينا، لذا عندما كنا نعود كانت تصنع عروسة من الورق ضد الحسد.
في بدايات التكوين هناك أشياء تتخللك وتلتصق بوجدانك وتظل مسكونا بها طوال حياتك ، فمثلا من ضمن الأشياء التي أثرت في جدا، أنه كان لنا جار من مالطا وكان يبدو غريب الأطوار ولكنه كان يحب التصوير ، كان كثيرا ما يجمعنا ليقوم بتصويرنا ، وذات يوم أخبرني والدي أن جارنا هذا سوف يعرض لنا فيلم سينما، ولم أفهم معني سينما وقتها ، وقد كان جارنا يملك بروجكتور قديم ، وكان بالطبع فيلما صامتا ، وعندنا بدأ العرض حدثت لي صدمة من واقع الإبهار، كان أشبه بالسحر، فكيف لهذا الثقب المستدير الذي يخرج منه النور أن يخلق هذا العالم علي الحائط، ووقعت تحت تأُثير السحر البصري، ولم أكترث كثيرا بمضمون الفيلم بل انبهرت بالصورة وكيفية اللعب بالأبيض والأسود ودرجات الألوان، وعندما انتهي عرض الفيلم أخبرت والدي أنني أيضا أن أصنع سينما.
الغريب أيضا أنني تأثرت بفترة الحرب العالمية الثانية في فترة الأربعينات، ففي ذلك الوقت كانوا يدهنون الشباك باللون الأزرق، ويضعون لاصقا حتي لا ينكسر الزجاج، كنت أمسح الأزرق وأشاهد من ورائه كشافات الطائرات والأحمر والأصفر وتلك الأضواء المتداخلة في السماء، كانت هذه الألوان والأضواء تشكل متعة بصرية لطفل في سني، كان لدي عالمي الخاص ، وقد ظهر تأثير هذه الفترة في آخر معرض أقمته والذي حمل اسم "حديث الضوء".
ولكن هل تتذكر أول فيلم سينما شاهدته فعليا ؟
عندما افتتحت سينما في المنطقة التي كنت أسكنها لأول مرة كنت في الثانية عشرة من عمري، ولحسن حظي كانت تعرض فيلم عرائس " بونوكيو" وللمرة الثانية انبهرت بذلك العالم الساحر عالم السينما وعالم العرائس، ولا تزال بعض مشاهد هذا الفيلم محفورة في ذاكرتي .
برغم ولعك بالسينما لم تفكر في دراستها وتوجهت لدراسة الفنون الجميلة؟
لم تكن هناك معاهد للسينما آنذاك، حيث افتتح أول معهد للسينما بعد تخرجي ببضع سنوات ولذا توجهت لدراسة الفن، أتذكر أن دراستي للفن بدأت قبل الكلية بفترة طويلة، فقد كنت شغوفا بالرسم، وعندما كنت طفلا صغيرا كان جسمي ضئيلا وكنت كثيرا ما أصاب بوعكات صحية تقعدني في المنزل، وكنت أستغل فترة غيابي عن المدرسة في الرسم وقبل أن أعود المدرسة أعلق الصور علي الحائط في غرفتي، ولما وجدت والدتي شغفي بالرسم، اهتمت بالموضوع واصطحبتني إلي مدرس إيطالي عنده مدرسة خاصة اسمه " كارلو مينوتي"، وعندما امتحنني قال لها إنني موهوب ورفض أن يأخذ أي أموال لتعليمي واستمريت أتدرب عنده سنوات طويلة حتي أنني أصبحت مساعدا له، وتأسست جيدا علي يده ، كان من حسن حظي أن وجدت شخصا يبنيني في هذا السن الصغيرة .
ولكن لماذا غيرت مسارك وتوجهت لدراسة الديكور رغم معرفتك بالرسم والتصوير ؟
فكرت أنني أجيد الرسم ، وأنه من الأفضل التعرف علي مجال جديد ، ولذا اخترت دراسة الديكور وبالفعل فتح أمامي سكك جديدة واكتسبت خبرات مختلفة أضفتها لخبراتي.
رغم دراستك للديكور إلا أن عالم السينما والعرائس لم يفارق خيالك ؟؟
حقيقة كانت السينما من الأمور التي لم يقل شغفي بها مطلقا ، ففي فترة الستينات حدثت نهضة سينمائية، وأثناء دراستي بالكلية كنت أحرص علي مشاهدة أفلام السينما بل وأسسنا جمعية للفيلم وقتها شاهدت أفلاما من جميع أنحاء العالم، حتي وقع في يدي فيلم 50 دقيقة لفنان العرائس جيري ترنكا وقد كان صانع ومحرك عرائس ومخرج أفلام .. وقد قدم الفيلم مسرحية شكسبير "حلم ليلة صيف" وهي تدور علي ألسنة العرائس ، وهنا قررت أن أتخصص في هذا المجال ، وعرفت أيضا أن هناك مسارح عرائس عالمية ، فقررت أن يكون مشروع التخرج الخاص بي عرائس.
كان أمر غريب علي كلية الفنون الجميلة وعلي قسم الديكور أن يتقدم طالب بمشروع عن فن العرائس .. فكيف تقبل أساتذتك الفكرة؟
كان هناك تخوف من الفكرة، لم يكن رفضا ولكن كان موضوعا جديدا علي الأساتذة لم يسمعوا عنه من قبل، وكنت طالبا متفوقا وكان هناك عدم قناعة تامة بالفكرة، لكنني تحدثت معهم وأقنعتهم بأن يتركوا لي حرية الاختيار، وبالفعل نفذت مسرحية عقلة الأصبع التي كنت أسمعها من المربية وصورت فيلم دقائق قليلة ، ونجحت في المشروع بامتياز .
ولكن كيف نفذت تلك العرائس دون وجود خبرة سابقة ؟
كنت أتصور من خيالي، واستخدمت خامات بسيطة كالورق والقماش والسلك وغير ذلك، تغلبت علي قلية الإمكانيات بحلول بديلة، كنت أريد أن أعطي فكرة للأساتذة معني عروسة وديكور.
ربما كان اسمك مرتبط في عالم العرائس بالليلة الكبيرة لكنها ليست تجربتك الأولي ؟
لا طبعا سبقها تجارب آخري، فقد كان القدر يرسم طريقي، ففي نفس الوقت الذي تخرجت فيه ، قرر د.علي الراعي الذي كان رئيسا لمصلحة الفنون في ذلك الوقت إنشاء مسرح للعرائس في مصر ، وبالفعل تم دعوة فرقة "تسندريكا" من رومانيا والتي قدمت عروضها لجمهور القاهرة ،بعد ذلك تم دعوة خبراء من نفس المسرح لعمل فرقة ، وبالصدفة كان مدير الأوبرا آنذاك في زيارة للكلية وشاهد مشاريع الخريجين، وكان صديقا لدكتور علي الراعي ، وعندما شاهد مشروع العرائس ، حدث د.علي عني والذي بدوره حصل علي عنواني من الكلية وأرسل لي خطابا ، وعندما قابلته كلمني عن فكرة مسرح العرائس وسعدت للغاية للانضمام لهم .
وقد قدمنا أول مسرحية "الشاطر حسن" ، وعرضت علي مسرح معهد الموسيقي العربية، وكانت المرة الأولي التي يتم تقديم مسرح للعرائس تقوم علي إنشائه ورعايته وزارة الثقافة والإرشاد القومي في مصر، وقد تم اختياري كأول مصمم مصري للتدريب مع الخبيرة الرومانية ، وبدأت في فهم منطق العروسة الماريونت المعقد والميكانيزم الخاص بها وقواعد اللعبة والعرض وكيفية تصميم عروسة وخصائصها التشكيلية، وعندما بدأنا في تكوين أول فرقة مصرية ، كان صلاح جاهين ضمن الفريق المتحمس لهذا الفن الجديد، وكان شخصية رائعة وجميلة ومحبة، وقد التصق بمسرح العرائس منذ ذلك الوقت.
للتجربة الأولي دائما صعوبتها .. فهل تتذكر بعض من هذه الصعوبات التي واجهتك؟
طبعا تعلم ميكانيزم حركة العرائس، واختيار قصة مناسبة تصلح للتحريك ، كذلك اختيار محركين عرائس، وهو أمر غاية في الصعوبة، لابد أن يكون شخص لديه قدرات خاصة لتحريك العروسة علي بعد مترين، وعندما بدأنا كانت الظروف سيئة، حيث أعطونا غرفة أشبه بمخزن داخل قصر عابدين ، بعد فترة طردونا فذهبنا للأوبرا القديمة في البدروم ، ولم تكن هناك إمكانيات بالمرة ،ولكن كان هناك حماس شديد، وبالفعل انتهينا من العمل والبروفات وعرضنا في معهد الموسيقي العربية ، وكانت ليلة الافتتاح ناجحة نجاحا مبهرا حضرها كل المثقفين في البلد.
وربما كان للنجاح الذي لاقته الفرقة أثر كبير في دفع القائمين علي المسرح إلي تكوين فرقة ثانية للماريونت ، وبالفعل تكون العرض الثاني من أوبريت "بنت السلطان" المستوحاة من ألف ليلية وليلة.
إذا متي بدأ التفكير في تقديم الليلة الكبيرة ؟
بعد عرض بنت السلطان وجهت لنا رومانيا دعوة للاشتراك في مسابقة المهرجان الدولي للعرائس عام 1960 ، كنا طبعا نشعر بتخوف فكيف يمكن لمسرح لم يتعد عمره عامين أن يتنافس مع فرق لها شأن وتاريخ في مجال فنون العرائس تشترك بأفضل إبداعاتها في هذا المهرجان الدولي.
واتفقنا علي خوض المغامرة ، ولكن كان لابد من تقديم عمل يليق علي المستوي التقني والفني، وكنت من عشاق الصورة الغنائية الإذاعية "الليلة الكبيرة" التي جمعت صلاح جاهين وسيد مكاوي ، وتميزت بالروح الشعبية المصرية الخالصة . وكان حلمي أن يأتي يوم أستطيع تحويل هذه الصورة الإذاعية المثيرة الرائعة إلي مسرحية تؤديها العرائس بكل ما تحتويه هذه الاحتفالية شديدة الثراء من صور فلكلورية أصيلة وشخصيات مصرية معالجة بصدق وبساطة وعمق وطرافة ، وعرضت الأمر علي صلاح جاهين وسيد مكاوي اللذين اندهشا في أول الأمر للفكرة .. ولكن سرعان ماتحمسا للأمر وبدأنا في الإعداد وإضافة بعض المشاهد لاستكمال الصورة المسرحية وتسجيلها من جديد.
قلت ذات مرة أن أوبريت "حمار شهاب الدين " من أروع الأعمال التي قدمت علي مسرح العرائس، إذا لماذا لم يحقق النجاح الذي حققته الليلة الكبيرة ؟
الليلة الكبيرة حالة خاصة ، حيث تم تسجيلها أكثر من مرة ، وارتبطت بمناسبات كثيرة جدا وتم تصويرها مرتين مرة أبيض وأسود ومرة ألوان ، وتم عرضها كثيرا جدا حتي حفظها الناس ، وبالطبع فإن عبقرية صلاح جاهين وسيد مكاوي جعلتها من أقرب الأعمال لوجدان الناس وهو عمل مناسب لكل الطبقات والأعمار .
خضت تجربة الإخراج لأول مرة مع أوبريت "حمار شهاب الدين" ، فكيف كانت التجربة ؟
كنت قد حصلت علي منحة لدراسة المسرح والعرائس والسينما في ألمانيا فسافرت ، وهناك وأثناء المنحة كلمني راجي عنايت حول تقديم عمل جديد ، وأرسل لي نص صلاح جاهين عن قصة بكر الشرقاوي وانبهرت ، وبدأت تصميم العرائس وأنا هناك ، وعندما جئت للقاهرة فوجئت باعتذار توفيق صالح الذين كان من المقرر أن يقوم بإخراج العمل لأسباب خاصة به ، فكلفني راجي بإخراج العمل ، وكنت مترددا جدا فكانت تجربة الإخراج جديدة علي، وأخبرته بأهمية العودة لاستكمال البعثة ولكنه طلب مني أن أخاطب أساتذتي هناك وأشرح لهم الموقف ، وبالفعل وافق أستاذي علي مد فترة الإجازة ، وبالفعل كانت تجربة رائعة.
اعتبرت مسرحية "مدينة الأحلام " التي قدمتها في 1965 محطة رئيسية في مشوارك الفني؟
بالفعل ، فعند عودتي النهائية من البعثة صيف 1963 ، فوجئت بأن أجد حلمي الكبير يكتمل ، عندما وجدت أن مشروع بناء مسرح خاص للعرائس، وكان علي أعلي مستوي ، حيث تكلف إنشاؤه وقتها 110 آلاف جنيه وهو مبلغ ضخم للغاية. وأثناء بحثي عن موضوع أبدأ به أول إنتاج مسرحي بعد عودتي ، عثرت علي قصيدة لفؤاد قاعود تتناول حكاية النساج الذي ضاق بمجتمعه الذي تتحكم فيه الدنانير ، ويطلب النساج من الله أن ينقذه من هذا المجتمع، ويتحقق حلمه فينتقل بواسطة طائر خرافي إلي المدينة الفاضلة وفيها يجد الجميع احتياجاتهم، وبالرغم من سعادة النساج إلا أنه لا يزال متأثرا بالقيم الخلقية للمجتمع الاستغلالي الذي خلفه وراءه فيسعي إلي اكتناز ما لا يحتاج إليه ، ويحكم عليه قضاة المدينة بالعودة إلي المدينة التي جاء منها ، وتتلخص فلسفة العمل في أنه من الضروري تغيير التكوين الداخلي للفرد حتي يلائم التطور الذي يحدث في مجتمعه.
انبهرت بهذا المضمون ، كما أغراني أيضا طبيعة الحكاية وثراء الشكل مع تحفيز الخيال الذي تطرحه، وقد أردت في هذه التجربة أن يكون للفن التشكيلي الدور الرئيسي في العرض المسرحي. لينطلق الشكل إلي آفاق الإبداع التشكيلي الحر في لغة يخطو فيها ما بعد حدود الشكل ليصل إلي عمق الجوهر. وقد اخترت تقنيات جديدة متمثلة في المسرح الأسود وخيال الظل ، فالمسرح الأسود ساعد علي تجسيد مجتمع السخرة التي تتحكم فيه المادة، في حين تقنية خيال الظل التي تمتاز بشفافية الشكل للتعبير عن المجتمع المثالي الجديد.
يبدو أن روح المغامرة لم تفارقك حيث شكلت مسرحية "الولد والعصفور" مغامرة تجريبية أيضا ، ألم تتخوف من التجربة خاصة حين تقدم علي أحد مسارح رومانيا؟
كانت تحدي ومغامرة أخري ، ففي عام 1965 طلبوا مني في بوخارست تقديم عمل مسرحي يعرض هناك، ولم أكن لأقدم عمل تقليدي ، كنت أرغب في تقديم مسرح تفاعلي، ولتحقيق التجربة كما تخيلتها، اخترت إحدي صالات التدريب الخالية في أحد مسارح بوخارست ، لتحقيق فكرة اللعبة المسرحية أو مسرح اللعبة بالالتحام المباشر بين عناصر العرض وبين الأطفال في فراغ واحد متصل، بحيث يكون الأطفال جزءا من العرض، وطبعا كانت احتمالات الفشل كارثية ، فكنت أعتمد بالأساس علي مخيلة الطفل وتمتعه بالحيوية ، وإتاحة الفرصة لردود أفعاله التلقائية ، وفي الحقيقة استغرق إعداد العرض 11 شهرا من التجارب والمناقشات.
و تدور فكرة العرض حول طفل حزين لأن الساحرات سرقن عصفوره الذهبي واختفين به وراء السحاب، ويدعو الطفل المشاهدين من الأطفال لمصاحبته في رحلة نحو الأفق لمقابلة شمس الغروب حين تلتقي مع الأرض لتدلهم علي مكان الطائر مرورا ببلاد الصيف ثم بلاد الخريف ثم الشتاء وأخيرا بلاد الربيع .
وقد كاد العرض الافتتاحي يفشل ، فقد اتفق القائمون علي المسرح مع إحدي أكبر المدارس لاصطحاب الأطفال لمشاهدة العرض، وطبعا كان العرض يقوم علي تفاعل الأطفال، ونظرا لالتزام الأطفال بالتعليمات الصارمة لأساتذتهم بالتزام الهدوء لم يتحرك أحدهم، ولم يتفاعلوا مع العرض حتي قام أحد الأطفال برفع أصبعه علي استحياء لإجابة أحد الأسئلة، فحمله الممثلون عاليا وشجعوه مما شجع باقي الأطفال للاندماج في العرض.
أما بالنسبة للعرض، فقد تمت معالجة العرائس بما يتناسب مع الفراغ الذي تتحرك فيه ، لذلك استبعدت فكرة العرائس المختلفة الأنواع بأحجامها الصغيرة التقليدية والاعتماد في معظم الأوقات علي الأقنعة التي يحملها الممثلون بعيدا عن الإيهام وتأكيدا علي فكرة اللعبة مع مراعاة نسبها الكبيرة الحجم بالنسبة لحجم الطفل ، حتي يمكنه من الحركة بحرية مع الأطفال في فراغ الصالة.
الحقيقي أن المبهر في هذا العرض هو خيال الأطفال المشاهدين ، في كل مرة كانوا يبهرونا بردود أفعالهم ، وحيويتهم.
لك تجربة وحيدة في إخراج الأفلام فلماذا لم تستمر ؟
كانت تجربة فريدة ، وتنتمي للتجريب أيضا ، فعندما حصلت علي منحة للدراسة في إيطاليا كانت الكلية قد حددت السينما مجالا للدراسة ، وكان من المفترض أن ألتحق بالمركز السينمائي في روما ، ولكن وجهة نظر المستشار الثقافي كانت مختلفة ، وأصر علي تسجيلي بكلية الفنون الجميلة بروما قسم مسرح ، ولما كان من الضروري موافقة المستشار الثقافي المصري علي قبولي طالبا نظاميا بالمركز استكملت دراستي في المسرح ، وأثناء دراستي للمسرح كنت أواصل دراسة السينما بشكل غير رسمي، وحرصت علي الاشتراك في الأنشطة السينمائية من خلال نوادي السينما المختلفة، ولما كان الطلبة النظاميون يقومون بعد اتمام دراستهم بإخراج فيلم طويل ، بتمويل من المركز كمشروع للتخرج ، شعرت وقتها بأنني لابد أن أستفيد من الدراسة وتطبيقها عمليا وبالفعل تعرفت علي شاب إيطالي مهتم مثلي بالسينما واشتركنا في إخراج هذا الفيلم، وقد أنتجته جماعة صيف 70 بدعم من رينزو روسيلليني ، وكانت الإمكانيات ضعيفة للغاية ، إلا أن الفيلم نجح فنيا للغاية حيث أشادت به لجنة التحكيم مهرجان سان مارينو الدولي لأفلام البحث والتجريب بالفيلم.
الشائع أن مسرح العرائس للصغار فقط ، ولكن هذا مفهوم خاطئ ، فما رأيك في هذا الموضوع؟
بالطبع مسرح العرائس ليس مسرحا للصغار فقط ، فهناك الكثير من الأعمال التي تناقش قضايا جادة موجهة للكبار والصغار، أتذكر مثلا مسرحية "دقي يالا مزيكا" التي قدمناها علي مسرح العرائس عام 1967 من أشعار المبدع فؤاد حداد كانت تتألف من فقرات نقدية لبعض الأوضاع المتخلفة في مجتمعنا كالبيروقراطية والرجعية والسياسية الأمريكية، كذلك في مسرحية "شغل أراجوزات" تأليف محسن مصيلحي وأشعار جمال بخيت كانت الفكرة الأساسية التي طرحتها المسرحية تناول النقد الجانب السلبي في الشخصية المصرية من خلال الأراجوز.
أين مسرح العرائس.. الآن؟
إذا كنتي تتحدثين عن الموقع ، فمع الأسف الشديد أصبحت منطقة العتبة مليئة بالباعة الجائلين، واختلف شكل تلك المنطقة العريقة ، التي تضم مسرح العرائس والمسرح القومي، فكيف أتخيل أن مكان الأوبرا القديمة يتم بناء جراج ، لقد أصبحت تلك المنطقة حبيسة القمامة والفوضي.
أما عن المسرح نفسه فنحن أمام إشكالية الكوادر الجيدة ، فكل المجموعات التي تدربت علي أيدي الخبراء الأجانب من جيلي تقدموا في السن ولابد من خلق أجيال جديدة مدربة علي أعلي مستوي ، ولذا اقترحنا وجود دراسة متخصصة في معهد فنون مسرحية تخصص في السنتين ، وبالفعل تقدمنا باقتراح ووضعنا تصور المناهج ، ولكنها مع الأسف أًصبحت حبيسة الأدراج.
إن مسرح العرائس فن مسرحي فيه كل مفردات العمل المسرحي ولذا يجب وجود دراسة متخصصة، إن العرائس كفن انتشر انتشارا كبيرا في العالم كله في نهاية القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين ، العرائس أصبح لها وجود في الحياة الثقافية في كل مكان في العالم بشكل واضح ، ونحن في مصر بدلا من أن نطورها تخلفنا عن دول العالم ، ولكن يبقي الأمل في الشباب الصغار الموهوبين المحبين لفن العرائس من خلال تجارب فردية مثل الفرق المسرحية المستقلة.
إن الحوار مع ناجي شاكر ممتد ولا ينتهي، ولكنني اختم رحلتي في عالمه مؤقتا بتلك المقولة التي قالها ..
»في رحلة العمر ، بكل ما فيها من منحنيات وتضاريس، لم أفقد إحساسي لحظة بالحرية والنزوع الدائم للمغامرة الفنية والرغبة في الاكتشاف والإبحار في المجهول .. دون ضمان بالعودة غانمة «


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.