أبو القاسم إسماعيل بن عباد المشهور ب " الصاحب بن عباد " كان أديبا من أدباء الشيعة الأمامية الإثني عشرية. وكان وزيراً، ومن نوادر الوزراء الذين غلب عليهم العلم والأدب. مدحه الشعراء بمائة ألف قصيدة، لكنه فيما يبدو لم يبلغ بذلك شفاء غليله إلي الثناء، فكتب الكثير من الشعر في نفسه، واتفق مع شاعر اسمه أبي عيسي بن المنجم ليقوله أمام الجميع علي أنه من شعره. ويقف أبوعيسي ويقول الشعر، فينتشي الصاحب بن عباد لشعره، ويسعد ويصيح في أبي عيسي: أعد يا أبا عيسي، فإنك والله مجيد. ويعيد أبو عيسي، ويصيح الصاحب بن عباد: أحسنت يا أبا عيسي، فقد صفا ذهنك وجادت قريحتك، وتنقحت قوافيك. ثم لا يصرفه عن مجلسه إلا بجائزة سنية وعطية هنية. ويدهش الشعراء، فهم يعلمون أن أبا عيسي ليس بشاعر مجيد. وأشعاره التي يعرفونها عنه، محدودة القيمة. وقد أراد الصاحب بن عباد بذلك أن ينال من شعراء عصره الذين يطرقون بابه مادحين. وذلك يذكرني بما فعله الأديب السكندري فوزي عبد القادر الميلادي، فقد كتب مسرحيته " ليالي العمر" علي حسابه، ولم يهتم بها أحد، لا خبر في جريدة ولا مقالة في مجلة. فكتب مقالة يمدح فيها نفسه، واتفق مع الأديب محمد الجمل، بأن يرسلها الميلادي إلي مجلة الفيصل باسمه، وكان علي صلة وثيقة برئيس تحريرها " علوي طه الصافي" وقد قابله في زيارته للإسكندرية. ونُشرت المقالة في المجلة باسم صديقنا محمد الجمل وصرف مكافأتها. وشكا الميلادي لي قائلا: أنا الذي كتبت المقالة، وأرسلتها بالبريد للمجلة، وعندما يقبض مكافأة النشر لا يتذكرني بشيء. واتصل به تليفونيا لائما معاتبا، فاشتري له الجمل كيلو هريسة وأهداها إليه. واتفق الروائي المرحوم فتحي سلامة مع الناقد محمود قاسم أن يكتب دراسة عن أعماله، وفعلها محمود، وقدم دراسة بعنوان " البطل في روايات فتحي سلامة " لمسابقة يقيمها المجلس الأعلي للثقافة عام 1982، وفاز بها. وسلم أوراق الدراسة إلي فتحي سلامة ليطبعها في كتاب، وفوجئ محمود بالكتاب مطبوع وفيه مقدمة، لم يكتبها، يقول فيها فتحي سلامة عن نفسه: عثرت علي عدة دراسات منشورة بمجلات أجنبية متخصصة في الدراسات الأدبية تدور حول روايات فتحي سلامة، وبعدها عثرت علي مجموعة أبحاث في الاجتماع والدراسات النفسية منشورة في مجلة علمية كان يكتبها فتحي سلامة أيضا، فورد علي ذهني إن عددا من الكتاب المصريين قد نالوا شهرة عالمية، بينما لا يجدون في بلدهم مثل هذا الاهتمام. وإن محمود قد تقابل مع فتحي سلامة في رحلة أدبية إلي مرسي مطروح، فاكتشف: إنه تعرف علي شخصية من أمتع الشخصيات وأحبها إلي النفس: وجدته غزير العلم، جم الأدب، لبقا في الحديث، سريع البديهة، لديه معرفة بالشعر بحوره وقوافيه، ملما بفن المسرح كاتبا وناقدا، عالما بفنون القصة والرواية، أستاذا في علم الاجتماع، قائدا للشباب، رائدا للرحالة والكشافة، إذا حضر اجتماعا قاده بمهارة، وإذا جلس في سامر أضاءه بالمرح الذكي. ووجدت أنني اعتبره أحد نجوم الرواية المصرية، وإنه لا يقل عن روائيين لهم شهرتهم الواسعة في العالم العربي، وإنه من الظلم ألا نقدم العديد من الدراسات حول فن الرواية عند هذا الأديب. إن فتحي سلامة، الذي يقدم لنا في كل عمل من أعماله، رؤية جديدة أكثر إشعاعا بالأمل، والصق بحياتنا المعاصرة، لهو دليل علي أصالة هذا الجيل الذي تكشف كتابات أفراده عن قدرة علي رصد النجوم من مواقع الأمل. وما إن صدر الكتاب، حتي غضب محمود قاسم وأعلن في كل مكان إنه لم يكتب حرفا واحدا من هذه المقدمة، وإنما فتحي سلامة هو الذي كتبها مادحا نفسه، وحدثت قطعية بينهما لمدة ليست بالقصيرة. وعندما أصدر الكاتب الكبير خالد محمد خالد كتابه: " من هنا نبدأ "، وجد أن الكل قد انصرف عنه، فتذكر ما فعله الكاتب الإنجليزي جورج برنارد شو، عندما وجد أن كتبه لا تجد صدي أو اهتماما من أحد، ففكر وقدر ثم راح يمطر الصحف بمقالاته حاملة توقيعه الحقيقي، ثم يتبعها بمقالات أخري تدحض مقالاته الأولي، حاملة توقيعا زائفا ليس لاسمه الحقيقي فيه مكان، وأخذ راحته في الكتابة، فيسب ويشتم ويسخر من هذا الذي اسمه برنارد شو، الذي يتحدي تقاليد الأمة، ونظمها وميراثها وحضارتها. وأتت الخطة أكلها، وبدأ شو يستحوذ علي قراء كثيرين، ويتمركز في دائرة اهتمامات القارئين والمواطنين ( كتاب قصتي مع الحياة لخالد محمد خالد - ص 355 ) وقرر خالد محمد خالد أن يفعل في نفسه ما فعله جورج برنارد شو. فاختار تلميذا من تلاميذه، اسمه محمد حسن البري، كان في السنة النهائية بكلية دار العلوم. فقال له: اذهب الآن إلي سكنك، واكتب مقالا في نقد الكتاب، لا تترك كلمة وقحة إلا أقحمتها عليه. لماذا؟ ستعرف غدا عندما تأتي بالمقال. وجاءه في اليوم التالي بمقال فيه كل الاعتراض والسباب، لدرجة أن خالد محمد خالد كاد يغضب ويثور عليه، لكنه تمالك واقترح أن يكون عنوان المقال " كتاب أثيم، لعالم ضال ". وذهب البري به إلي جريدة منبر الشرق، وقابل علي الغاياتي رئيس تحريرها، الذي ما إن قرأ المقال حتي غضب وثار ولعن مؤلف الكتاب. ونشره في مكان ظاهر من الجريدة، وتوالت المقالات التي تهاجم الكتاب ومؤلفه، ومعظمهم لم يقرءوا الكتاب، وإنما اعتمدوا علي ما كتبه البري في مقاله. ويحكون أن الكاتب الكبير إبراهيم عبد القادر المازني كان يكتب مقالين لمجلتين مختلفتين في الرأي والاتجاه، فيسب في كل مقالة المجلة الأخري، وكان يرسلهما عن طريق الساعي، الذي أخطأ يوما، وأرسل مقالة إلي مجلة منهما، مليئة بالسباب واللعنات فيها وفي محرريها، فانكشف أمر المازني في ذلك.