كيف لا أراه ! إنه يتحرك علي ظهرك الآن!! أخي يقول ذلك. خلال خمسين كلمة من الإقناع يؤكد إنه يحتك بياقة القميص ومنبته أسفل مؤخرة رأسي. عبارة عن شئٍ طري، لحمي، يمتد حتي نهاية ظهري، حلقي يابسٌ، يرمق أخي اصفرار وجهي فيتحسس ظهري، شعرت بوجوده في هذه اللحظة تحديدًا، إنه يتحرك علي ظهري بالفعل! يتمايل يمينًا ويسارًا أسفل قميصي، ملمسه ناعمٌ مثل الجلد، ذيل نبت فجأة من جسمي، يتمايل دون أن أحركه أو أسيطر عليه كأنه ليس جزءًا من جسمي ، يلتقطه أخي ويمسكه و يجرني خلفه، يزداد إصراري علي وجوده بالرغم من فراغ ظهري في المرآة وفي الصفحة البيضاء البعيدة. أنا خائفٌ ؟!!!!! أذني تتحرك خمس وخمسون،اثنتان وستون ، سبعون كلمة من الإقناع عن الوضع السياسي ، تخرج مباشرة من فم صديقي تمر الكلمات خلال خمس عشرة دقيقة وتسري خلف بعضها ، تبتعد أصوات نرد الطاولة قليلاً في المقهي الذي نجلس فيه ، تبدأ كلمات الإقناع تأكل أذني اليسري القريبة من فمه - رويدًا رويدًا وبدفءٍ وجزءٍ جزء، تدب أنامل الخوف اللجوجة بداخل صدري ، أشعر بالخوف مما قاله أو مما قد يحدث.. يتجه نحوي ، يمد يده أسفل ( تي شيرت) الذي ارتديه ثم يلتقطه و يربطه في إحدي أقدام المنضدة التي نلتف حولها ثم يتركني ويرحل . أمد يدي إلي رجل المنضدة ، أحاول أن أحرر ذيل رقبتي لكن الذيل يتماسك مع القدم ، أحاول أن أمرر إرادتي عليه ربما استطيع التحكم فيه لكنه يتغاضي عن ذلك و يثبت في مكانه ولا يتحرك ، أردد في سري لا أريد سوي أن أتخيل ...تخيل .. أغمض عينيك ثم ركز كل ما تحتاجه صفحة بيضاء تتأملها ، أتأملها ، هاهي الصفحة لكنّها مليئة بالثنايا ، أفردها بعيني وأمرر عليها برموشي ، الثنايا لازالت واضحة والصورة مشوشة ، أحاول أجذب الذيل قليلاً فتتحرك المنضدة من شده الجذب فيلتفت بعض الجالسين إليّ ، تستمر رموشي في فرد ثنايا الصفحة ، تختفي الثنايا القليلة ويبدأ الذيل في التحرر ببطءٍ من قدم المنضدة ، هناك أمل ، ركز فقط ، تحاول عيني الإمساك بالورقة جيدً حتي لا تضيع وسط دوامات الخيال وتستمر رموشي في مسح الثنايا ، تمسح عددًا منها وتبدأ الصفحة في أن تصفو ،أركّز في بقع الصفاء القليلة التي تحملها ، يبدأ يتحرر الذيل وينزلق طرفه من العقدة المصنوعة في قدم المنضدة ، أستمر في التركيز وتختفي باقي الثنايا حتي أتحرر . أنا لستُ بخائفٍ. أنا سيئٌ !!!!! وأثناء قيادتي موتوسيكل في الطريق ، أكثر من خمسين شتيمة تضج فجأة حولي، لم أحدد أي شيء ولم أستوعب بل أنا مندهشٌ فقط ،غائبٌ عن الوعي ليس إلا ،هل أنا من يَشتم بل أنا الذي يُشتم ،تسعون إهانة مقنعه تمر بجانبي من الإتجاه الأيمن تحديداً من ميكروباص يسير خلفي ويكاد يلتصق بي صائحًا ، يريد أن أفسح الطريق له ، تلوك الكلمات بثنايا أذني ، تجتاحني موجةُ من البرد وأقتنع ،أشعر كأني شيءٌ مطبقٌ، ذيلي يضايقني بشدة أسفل قميصي، أميل علي أحد جوانب الطريق وأتوقف، كل هذه الإهانات تشبهني أنا !!! ركّز ، يتوقف سائق الميكروباص عندما يراني توقفت ثم يتجه إليّ ، يمد يده أسفل قميصي ثم يخرج ذيلي ويلفه حول رقبتي ، السيارات (تدوي) من حولي ، أحاول أن أغمض عيني، أن أركز ..أتخيل فقط .. تخيل صفحة بيضاء أنظر فيها وأنسي ، الصفحة مطوية بإحكامٍ شديد في نقطةٍ بعيدة ، عيني تحاول الإمساك بها ، تلتقطها مطوية تسعين مرة ، تفردها رموشي ، وتزداد حرارة الشمس ومع قله التنفس تبدو الورقة كأنها ملتصقةٌ ببعضها البعض، ركز فقط هي ليست سوي ورقة بيضاء ، الذيل يخنقني ، هيا تخيل ، ركز ، صفحة بيضاء ، أفردها ، حاول أن تفك قيودها وتحررها من الطي، الرموش تستمر في محاولة فك طياتها فتنفرد شيئًا فشيئًا، جسيماتُ صغيرة تسري بداخلِ القصبة الهوائية ، ينتابني السعال من شدة حرارة الشمس والاختناق فتنطوي مرة أخري، ركز، تحتاج إلي التركيز فقط وسينفك الذيل، تخيل فقط ،تنفرد الصفحة، أتأملها تلفحني نسمات الهواء تلامس أنفي فاستنشقها . أنا لستُ بسيئٍ!!!! أنا غبي أنظف واجهة المحل فتظهر ملامحي فيها ،أعيد النظر إلي ظهري الفارغ . ذيلي مختبئ تحت القميص يسألني أحد الزبائن عن حذاء ذي ماركة معينة لا نملكها بداخل المحل، تتراص أكثر من مائة وخمسين كلمة حول ميزة منتجات هذه الماركة ، أتماوج مع كل كلمة إقناع قالها ، يخرج من المحل ،يأخذ أحد أحجار مخلفات البناء الذي تجاورنا في نفس الطريق، يمسك ذيلي ويربط الحجر الثقيل به ثم يرحل. الثقل كبير ويداي لا تطول الذيل المحمل بالحجر الثقيل ،تصطدم قدمي مع علب الأحذية الملقاة علي الأرض، الورقة البيضاء، لا أحتاج سوي ورقة بيضاء ،أغمض عينيك وتخيل صفحة بيضاء ،يجب أن تتأملها ، تظهر الصفحة علي شكل ومضات، تنطفئ وتأتلق، أتأملها فقط، قدماي لا تحتمل الوقوف بهذا الحمل ،أحاول الوصول إلي أقرب كرسي .. متحركًا بظهري، أجلس وأعاود الإمساك به ، بيدي لكن الحجر كبير وطرف عقدة الذيل بعيدة عن يدي الملتفة حول ظهري ولا أستطيع لمسه ، صفحة بيضاء ..صفحة بيضاء لست بحاجة إلا لصفحة بيضاء ، أتلهف إليها، ركز، هاهي تقف أمامك، أنظرُ إليها بتمعنٍ شديد ،يستقر بياض الصفحة وتظهر في منتصفها نقطة صغيرة تكبر وتنجلي، كيف لم أكتشف مميزات ذلك المنتج من قبل ؟ كيف صدقت كل هذا الهراء عن باقي المنتجات ؟ وكلما تكبر النقطة البيضاء تظهر صورة مرتجة لم تلبث أن تتضح ،إنه الواقع، يظهر منها طرف الذيل ويتلوي يمينًا ويسارًا وخلف الذيل في الصورة تظهر أرضية المحل المليئة بعلب الأحذية .أمسك علب الأحذية مثقلًا بالحجر الذي أحمله من رقبتي وألقي بها في الطريق وكلما ألقي بالأحذية تتفكك عقدة الذيل ويخف حمل الحجر من عليّ، ثم يصك أذني صوت ارتطام الحجر علي الأرض. ليس دائما لا تنجح الورقة البيضاء. أنا فاشلٌ بعينين مشتعلتين يتمزق مديري أمامي عندما يري أحذيته الثمينة منتشرة علي جانبي الطريق، يعنفني وأشعر فجأة ببرودة يده تمسك الذيل اللحمي في ظهري وتبدأ في لفه، يصنع عقدة واحدة منه. أنا فاشلٌ في كل شيء. أبحث عن الورقة البيضاء، أريد أن أتناثر بداخلها لكنها منبعجة ،لم يظهر منها في الظلام الداخلي المعبأ بهمسي سوي بضع قطع بيضاء صغيره منحدرة إلي أسفل غير قادرة علي حل عقدتي. حقًا أنا فاشل يرمقني أخي في صمت ،ثم تبدأ تتسلل منه أكثر من خمسين كلمة من الإقناع فيما يخص اقتناعي بأي خمسين كلمة آخري تسري في موضوع معين، بداخلي آنين ،تتجه يداه إلي الذيل ، يمسكه بعزم و يلفه ويصنع منه عقدا ، يسري البرد من فتحه نافذة الغرفة المواربة علي شعيرات الجزء الظاهر من ظهري ، أنا منسحقٌ ، ذيلي أصبح قصيرأ ، الورقة البيضاء أراها من بعيد، تتمزق ذائبة. أنا بالفعل أملك ذيلا.