خصصنا ساحة الابداع لهذا العدد لنصوص جديدة لثلاثة من الفائزين بجوائز الدولة جمال الغيطاني الفائز بجائزة النيل في الآداب ،فوزية مهران التقديرية في الآداب، وابتهال الشايب الفائزة بالجائزة التشجيعية في القصة القصيرة حديقة القيادة أغمضت عيني وخيل إليّ أن الأرض ترتعش تحت قدمي وتتحرك بي. أنا وسط حديقة ذات بهجة - وداخل حلم مثير - ذهني في حالة تفتح وتبصر - أعرف المنطقة تماما ولكني لا أعرف الطريق إلي بيتي - أعرف المكان فقد عشنا وعيوننا معلقة فوقه وقلوبنا تحيط به. شغلتني الحديقة الممتعة عن حيرتي.. الدخول إليها دخول في الزمان والمكان - كأنني وصلت إلي محطة ما - عتبة قديمة وجديدة - واحدة من منازل الروح. تذكرت هي حديقة مبني قيادة الثورة - تبدو كحصن قديم.. بناء حجري شامخ - مرتفع وبعيد والحديقة بين يديه زاهية ومشعة. مغلق الأبواب والنوافذ.. آثار إهمال وأعمدته مازالت مشيدة - تلتمع فوقه أشعة الشمس المسترخية التي تشد خيوطها الذهبية إلي الجانب الآخر. الجدران فيها حياة.. - ربما داخلها أرواح إنسانية كامنة بين النيل والنخيل - وتنتظر. كيف جئت إليها في هذه اللحظة بالذات.. لابد أني اختصرت الطريق لأنها قريبة من بيتي. كيف الوصول إلي بيتي؟ أريد أن أعرف قبل المغيب والغسق - فالنهار "مبصرا" - ولا بأس من البحث والاستكشاف وأنا أقوم بجولة في هذه الجنة - والحمد واجب - لأن أتحير وأقلق داخل جنة رابية - ذات عيون وظلال وأسرار أجمل من أن أهيم في قفار جرداء أو صحراء وتيه وعطش. النهر يحتضن الحديقة - ونسمة صيف ندية تداعب وجهي والزهور التي أحبها. أوراق الشجر تتعانق وتتهامس وتصدر وشوشة خافتة. والطيور تحلق وتغرد فقد اقتربت العودة إلي عشها - وأنا متي أعود؟ أشهد بعض الزوار يسيرون.. ويختفون وأنا أجد في السير لأجد باب الخروج. هناك حبيبان كأنهما يؤديان رقصة ساحرة.. فالجو مشبع بالموسيقي والشمس تستعد للغياب علي صدر النهار.. وأنا روح نابضة مستبشرة وحتما توجد أبواب للخروج. اكتشفت أن الحديقة دائرية - أبدأ حيث انتهي- تعود لي الرعشة والحيرة - حولي مزيج من البريق والمغيب.. لكن داخلي النور. ولابد من العثور علي منفذ. بدأت الأضواء تومض - اكتس مبني مركز قيادة الثورة مهابة وخيل إليّ أن أعمدتها ترتفع أكثر وتطل بعمق علي الحديقة. قلت لنفسي لابد من السؤال.. أقترب من المبني أكثر - اقرأ لوحة ارشادية - أبصر رسما للحديقة - لابد من عمل ما - ولنستعين بالقراءة أو أي من أبواب المعرفة. فالحديقة ترينا أشياء بالعين وتعطينا والنهر والشجر والألوان والبناء ما ندركه بالقلب والعقل. وجدته - شابا تحت عمود الإنارة يقرأ لفة مطوية من الأوراق - كأنما أصلها في عمق عمود النور داخل قاعدته الراسخة. هل يدرس خرائط جديدة "لخبئة" قديمة؟ اقتربت أكثر - سألته - استدار إليّ مبتسما.. - يا سبحان الله هذا ملك جميل - قال: أنا أعرف لف الأوراق بعناية وأدخلها من باب صغير داخل عمود النور. مرة أخري يؤكد: أنا أعرف الطريق.. وكثيرون يعرفون - من قرأ وبحث في الجذور - يعرف -لم يكونوا ليختفوا.. هل استرق السمع داخلي؟ (وهل سمع صوت نفسي وأنا اسأل لماذا يختفون؟) مطمئنة الخطي أسير بجانبه - أدعو ألا تخذلني ساقي فهي تؤلمني - تقدمني ثم عاد ليسندني... دفء سري بي - وذهب الوجع عني - في لحظات التفكير - يخف الألم عنا ونشتد علي أنفسنا (بحاري الجميل كان يقول: عندما يشتد البحر علينا يجب أن نشتد علي أنفسنا أكثر منه - كذلك العبور) مازالت الحديقة مضيئة - جنة علي الأرض.. وهو يعرف دروبها أو لعله قرأ أسرارها في أوراقه المطوية والتي أودعها الخزينة المخفية - وقد عرف - ناقشت الأمر داخلي.. هل هي صدفة؟ أن يكون موجودا في هذه اللحظة في تلك الحيرة معي مثل زوار الحديقة كنت أعرف - أن البيت قريب - وبمجرد العبور أجد الكوبري وأري البيت وجدتني أسير - أقدر علي المسير.. استدرت لأحييه - لم أجده بجانبي - اختفي في الزحام.. قلت منذ البداية: إنه ملك جميل ولن أنسي ما حييت صوته وهو يقول: أعرف الطريق. نزهة قالت: عندما دعاني في الربيع إلي نزهة جميلة - عرفت أننا سنزورك قلت: وكنت أنتظر في الربيع دائما المحبة في بحر الصباح أتنسم لحنك الباكي أري صورتك في الماء تسبح سبحاً جميلاً تحمل ألوان المحبة وتحمل أثقالك يرونك بعيدً.. وأراك قريبا اللوتس أمام أعمدة الكرنك وقف يشرح للأصدقاء: أرأيتم هذه العمد المشيدة هي تجميع لسيقان اللوتس أفواه الزهور في الأعالي تتفتح وتميل إلي الحزمة بجانبها بينهما محبة وود جميل (الصداقة قيمة مصرية أصيلة) اقترب مني بعد أداء مهمته - كيف حال الصداقة بيننا؟ - مثل زهر اللوتس البحر وقفت علي سطح السفينة أتأمل حركة الماء جاء الربان ووقف بجانبي - - كيف تجدين البحر؟ - في حال من النعومة والتناغم - لذا أدعو طاقمي لمناورة غرق (غريب أمر هذا القائد - في عز السكون يبدد قوي رجاله) ابتسم لتفكيري - مياه البحر الأحمر مراوغة.. أرأيت كم هي ثقيلة مثل الزئبق؟ إنها نذر العاصفة (التدريب الصعب - سهل في المعركة) ديسمبر - لماذا أسميت مذكراتك "أوراق ديسمبر؟" - شهر مولدي - وما فيها.. كلنا نولد في ديسمبر - حبي وزواجي - مجرد صدفة - باب السفينة - اسم رواية - كان البدء والدخول إلي الحياة. القدرة - من أين أتيت بهذه القدرة علي تحمل الضغوط من حولك؟ - أتذكر صديقة لي - تصغرني بعشرين عاما - تعرضت لكل أنواع المكائد والضغوط.. والعقبات توضع في طريقها.. ومع ذلك تبتسم - تستمر وتعمل وتحب الناس جميعا. فلا أقل من أن أكون مثلها.