اللجنة العامة ل«النواب» توافق على موزانة المجلس للسنة المالية 2024 /2025    «المجلس القومي»: ارتفاع المقاعد المخصصة للمرأة في مجلس النواب إلى 165 عضوة في 2022    البنك المركزي يطرح أذون خزانة ب 50 مليار جنيه.. بسعر فائدة 25.98%    رئيس الوزراء يشيد بانخفاض معدل النمو السكاني: يؤثر إيجابيا على الوضع الاقتصادي    بمشاركة 500 قيادة تنفيذية لكبريات المؤسسات غدا.. انطلاق قمة مصر للأفضل تحت رعاية رئيس الوزراء لتكريم الشركات والشخصيات الأكثر تأثيرا في الاقتصاد    تنفيذ 98.5% من مشروع محور بديل خزان أسوان الحر    إعلام إسرائيلي: إصابتان إثر سقوط شظايا صاروخ في محيط كريات شمونة شمال إسرائيل    مصر تواصل تحركاتها لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة إلى أهالي غزة    اليونيسف: تعطل توزيع المكملات الغذائية بغزة يهدد حياة أكثر من 3 آلاف طفل    بن شرقي يعرض نفسه على الزمالك .. والإدارة ترد بشرط (خاص)    برقم الجلوس.. نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 في الإسكندرية    أماكن صلاة عيد الأضحى في المحافظات 2024.. الأوقاف تعلن 6 آلاف ساحة    «القومي للمرأة»: مؤشر عدد الإناث بالهيئات القضائية يقفز ل3541 في 2023    بسبب الحداد.. عمر كمال يؤجل طرح أغنيتة الجديدة    مهرجان جمعية الفيلم يحتفل بمئوية سامية جمال    سوسن بدر تشكر «المتحدة» بعد تكريمها في احتفالية فيلم أم الدنيا 2    ينطلق السبت المقبل.. قصور الثقافة تعلن عروض المهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية    تعرف على سبب فشل زيجات نسرين طافش    خبيرة فلك تبشر مواليد هذه الأبراج بانفراجة كبيرة    الأفلام المصرية تحقق 999 ألف جنيه إيرادات في يوم واحد.. والسرب يحتفظ بنصيب الأسد    دعاء ذبح الأضحية كما ورد في السنة..« إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله»    تكبيرات عيد الأضحى مكتوبة.. «الإفتاء» توضح الصيغة الشرعية الصحيحة    تعرف على محظورات الحج وكفارتها كما حددها النبي (فيديو)    "صحة المنيا" تنظم قافلة طبية بقرية الفرجانى.. غدا    رئيس الشعبة بالغرف التجارية: مبيعات الأدوية تتجاوز 65 مليار جنيه خلال 5 أشهر من 2024    البنك التجاري الدولي يتقدم بمستندات زيادة رأسماله ل30.431 مليار جنيه    أمينة الفتوى: «بلاش نحكي مشاكلنا الزوجية للناس والأهل علشان متكبرش»    «كوني قدوة».. ندوة تثقيفية عن دور المرأة في المجتمع بالشرقية    علاء نبيل يعدد مزايا مشروع تطوير مدربي المنتخبات    توني كروس يصل ل300 انتصار مع الريال بعد التتويج بدوري أبطال أوروبا    «التنظيم والإدارة» يتيح الاستعلام عن نتيجة التظلم للمتقدمين لمسابقة معلم مساعد    طرق حديثة وحماية من السوشيال.. أحمد حلمى يتحدث عن طريقة تربية أولاده (فيديو)    إصابة سائق إثر حادث انقلاب سيارته فى حلوان    عميد الكلية التكنولوحية بالفيوم يتفقد لجان امتحانات الفصل الدراسي الثاني    الإفراج عن المحبوسين على طاولة الحوار الوطني    مفاجأة.. مدرب ليفربول يحسم مستقبل محمد صلاح    خاص رد قاطع من نادي الوكرة على مفاوضات ضم ديانج من الأهلي    600 بالون قمامة.. كوريا الشمالية تعاقب جارتها الجنوبية بالنفايات (فيديو)    في دقيقة واحدة.. طريقة تحضير كيكة المج في الميكروويف    برلماني أيرلندي ينفعل بسبب سياسة نتنياهو في حرب غزة (فيديو)    العمل: 3537 فُرصة عمل جديدة في 48 شركة خاصة تنتظر الشباب    الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصفه قرى وبلدات جنوبي لبنان    محمد الشيبي.. هل يصبح عنوانًا لأزمة الرياضة في مصر؟    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل مسن في روض الفرج    تأجيل إعادة إجراءات محاكمة متهمين ب "جماعة حازمون الإرهابية" ل 2 سبتمبر    الأهلي يكرم فريق سيدات اليد    مفتي الجمهورية: يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر    وزير المالية: مشكلة الاقتصاد الوطني هي تكلفة التمويل داخل وخارج مصر    توجيه جديد لوزير التعليم العالي بشأن الجامعات التكنولوجية    وزير الإسكان ومحافظ الإسكندرية يتفقدان مشروع إنشاء محور عمر سليمان    تحرير 139 مخالفة للمحلات غير الملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    توريد 125 طن قمح لمطحن الطارق بجنوب سيناء    في زيارة أخوية.. أمير قطر يصل الإمارات    غرفة الرعاية الصحية: القطاع الخاص يشارك في صياغة قانون المنشآت    محافظ كفر الشيخ يعلن أوائل الشهادة الإعدادية    تحرير أكثر من 300 محضر لمخالفات في الأسواق والمخابز خلال حملات تموينية في بني سويف    لتحسين أداء الطلاب.. ماذا قال وزير التعليم عن الثانوية العامة الجديدة؟    عمرو السولية يكشف طلب علي معلول في لقاء الجونة وما ينتظره من الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل قراءة متوازنة لانتفاضة طلاب الجامعات الأمريكية

تابعت خلال الأسابيع الأخيرة بعناية الكم الغزير من المواد المكتوبة والمصورة فى وسائل الإعلام العربية التقليدية وعلى وسائل التواصل الاجتماعى، والمنصات التى تناولت انتفاضة الطلاب فى الجامعات الغربية وتحديدا الأمريكية. لا أدعى أن التغطية والمتابعة كانت قاصرة، بل إن الاهتمام بالمعلومات والتفاصيل والخلفيات كان حاضرا ومبهرا. لكن اللافت أن كثيرا من المعالجات جاءت منحازة ومؤدلجة، وأحيانا سطحية ينقصها الفهم الدقيق للسياق الثقافى والسياسى الأمريكى.
ابتداء لابد أن أعترف بأننى مثلى مثل الملايين حول العالم من أصحاب الضمير، شعرت بالسعادة والفخر والاعتزاز بانتفاضة الطلاب، واحترمت شجاعتهم وتعريض مستقبلهم التعليمى والمهنى للتهديد دفاعا عن قناعاتهم وما يؤمنون به من قيم ومبادئ. وقد فاجأنى حجم اتساع الظاهرة، وانتشارها من جامعة لأخرى ابتداء من كولومبيا فى نيويورك إلى جامعة كاليفورنيا غربا مرورا بجامعات العاصمة واشنطن، وميتشجان، وشيكاغو، وجورجيا، وفلوريدا، وتكساس، وأريزونا، وغيرها. فقد شهدت 45 ولاية من إجمالى 50 ولاية أمريكية تظاهرات واحتجاجات وإضرابات ومخيمات تأييدا لفلسطين، وتضامنا مع غزة، ورفضا للسياسة الأمريكية تجاهها. وقد شارك فى هذه الفعاليات عشرات الآلاف من الطلاب من مختلف الاتجاهات والخلفيات، وتم اعتقال وتوقيف ما يزيد على ثلاثة آلاف طالبة وطالب. وتلقى الآلاف من الطلاب تهديدات من الجامعة باتخاذ إجراءات تأديبية تصل إلى الفصل، أو من الشركات ورجال أعمال بوضع أسمائهم فى قوائم تمنع توظيفهم مستقبلا، فضلا عن التهديدات الأخرى التى تصل خطورتها إلى الاستهداف أو التهديد بالقتل.
ورغم أن العام الدراسى كان على وشك الانتهاء، لم تتوقف انتفاضة الطلاب، بل أخذت فى الازدياد والانتشار وصارت حفلات التخرج فرصة ومنصة للتعبير عن رفض الطلاب للسياسات الجامعية والاعتراض عليها، ولسياسة الولايات المتحدة التى تدعم الإبادة التى يتعرض لها الفلسطينيات والفلسطينيون فى قطاع غزة. كما انضم إلى هذه الفعاليات أساتذة وموظفون تابعنا مقاطع للحظات اعتقالهم على وسائل التواصل الاجتماعى. وقد نجح الطلاب فى بعض الجامعات على إجبار الإدارات على إلغاء التعاون مع دولة الاحتلال أو سحب استثماراتها فى إسرائيل.
• • •
لقد حققت انتفاضة الطلاب، وما تزال، أثرا بالغا فى إيصال رسائل الغضب والأمل إلى الداخل الأمريكى والخارج. ولا أتجه بنقدى فى هذا المقال إلى انتفاضة الطلاب واحتجاجاتهم، إنما إلى الكيفية التى تناول بها كثير من المتابعين فى العالم العربى لهذه الأحداث. وهدفى هو الوصول إلى قراءة متوازنة وواقعية وغير منحازة أو مؤدلجة لانتفاضة الطلاب فى الجامعات الأمريكية من خلال الملاحظات الآتية:
أولا، لا خلاف على أن هامش الحريات فى الولايات المتحدة فى تراجع منذ سنوات، وأن الأفكار الشعبوية تنافس بشدة القيم الديمقراطية والليبرالية المعهودة. كذلك، فإن الانقسام فى المجتمع الأمريكى بات أكثر وضوحا. كما أن التحيز لسردية إسرائيل أمر مستقر وشائع فى المجال السياسى والثقافى، بغض النظر عن التوجه المحافظ أو الليبرالى. ولا خلاف على أن اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة أقوى جماعات المصالح والضغط تأثيرا فى السياسة الخارجية الأمريكية. ولا خلاف على أن السياسة الخارجية الأمريكية سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية، هى عمياء أو على الأقل عوراء.
ثانيا، الجامعات الأمريكية على اختلاف توجهاتها لم ترحب بالحراك الطلابى، ومارست ضغوطا للحد من حرية التعبير، بل وهددت الطلاب باتخاذ إجراءات تأديبية منها الإيقاف والفصل. ومما زاد الطين بلة قيام إدارة جامعة كولومبيا باستدعاء الشرطة لطلابها المعتصمين فى ساحة الحرم الجامعى. ربما كان التحيز الأيديولوجى والسياسى سببا فى سلوك إدارة الجامعات، أو خوفا من تهديدات واستجوابات الكونجرس لقيادات الجامعات، أو إنفاذا لقانون خشية انفلات الوضع وتحوله إلى عنف وتخريب.
ثالثا، الجامعات الأمريكية، تعتمد اعتمادا أساسيا فى نفقاتها وميزانياتها ووجودها على الوقف، والمنح والهبات التى تتبرع بها شركات كبرى، وجماعات مصالح، ورجال أعمال مرموقون، وأسر ثرية. وتضع إدارة الجامعات فى حسبانها رغبات وتوجهات هؤلاء، ولا ترغب فى فقدان هذه الموارد والمصادر. ولذا فإن سياسات الجامعات ومواقفها تضع فى الحسبان عوامل كثيرة عندما تتخذ قرارا ما.
رابعا، الثقافة السياسية الأمريكية لا تفضل التظاهرات والاحتجاجات تعبيرا عن المطالب السياسية والحقوقية، وحالات التظاهرات الكبرى منذ حرب فيتنام فى نهاية الستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضى تعد على الأصابع. فآليات المعارضة، والرفض والاختلاف لها وسائلها التقليدية فى السياسة الأمريكية، ولذا كان اقتحام الكونجرس من قبل مؤيدى ترامب سلوكا صادما لمعظم الشعب الأمريكى.
• • •
خامسا، احترام القانون وعدم تجاوز القواعد واللوائح أمر ثقافى راسخ فى الثقافة البرجماتية الأمريكية عبر تاريخها القصير، وهذا التقديس فى صغائر الأمور وكبائرها، فاتباع قواعد المشاة والمرور والدور والخصوصية لا يحتاج إلى تأويل أو إعادة تفكير، وينطبق الأمر ذاته على كل مناحى الحياة، فلا يمكن أن تقف فى موضع أو مكان مكتوب عليه ممنوع الوقوف، هذا خارج إطار التفكير والنقد، ولا يعنى ذلك أن المجتمع خال من الانتهاكات والفساد، ولكنها تتم وفقا للقواعد والقوانين.
سادسا، إن تصرفات الشرطة ورجال الأمن تجاه احتجاجات الطلاب كانت قاسية، واستعمال العنف كان مفرطا وغير مبرر فى كثير من الحالات، ولكن هذا هو من طبيعة رجال الشرطة فى الولايات المتحدة تاريخيا، القسوة والشدة واستغلال السلطة أحيانا فى إهانة الآخر.
سابعا، تدخل الشرطة وفض التجمعات جاء نتيجة تجاوزات قانونية (وإن كانت سخيفة) مثل التعدى على أملاك الغير، ورفض الانصياع لأوامر الشرطة بمغادرة أماكن التجمعات، فضلا عن اتهامات فضفاضة مثل الحض على الكراهية ومعاداة السامية، وهى اتهامات يتم استغلالها وتوظيفها قانونيا من قبل رجال الأمن وإنفاذ القوانين.
ثامنا، بكل صراحة واتساق مع النفس، أقول إن قيم الديمقراطية (وإن لم تكن مثالية)، وإن أجواء الحريات والحقوق المدنية (وإن باتت مقيدة ومشروطة) فى الولايات المتحدة وأوروبا، هى من كفلت للطلاب الاحتجاج والتظاهر والاعتصام وغيرها من أشكال الرفض والمعارضة. ولابد أن نبتعد عن تحيزاتنا الفكرية والأيديولوجية عند تناول هذه الأحداث.
صحيح أن هامش الحريات يتراجع فى الغرب، وصحيح أن الكيل بمكيالين فى تطبيق قيم الديمقراطية واضح أمامنا، وصحيح أن ما حدث مع الطلاب صدمة، لكن تظل إمكانية التعبير عن الذات والمعارضة والاختلاف قائمة بشرط اتباع القواعد والقوانين وعدم انتهاكها، وهذا ما يفسر محاولة الكونجرس تعديل القوانين فيما يتعلق بانتقاد إسرائيل واعتباره معاداة للسامية. الهدف هو عدم السماح لتكرار هذه الاحتجاجات مستقبلا بنصوص قانونية صارمة.
تاسعا، التفكير بالتمنى والانتقائية فى نشر الأخبار، والتصريحات، والصور، ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعى فى عالمنا العربى غير متوازنة، وعادة ما تكون خادعة، ولا تقدم صورة واقعية لما يحدث على مختلف الجبهات فى المجتمع الأمريكى، نظرا لأن معظم الناقلين لهذه المواد لا يلتفتون أو يتجاهلون عن قصد ما يخالف رغباتهم وأمانيهم. وقد تغافلت المعالجات مواقف الآخر المؤيد لسردية دولة الاحتلال بين الإعلاميين، والأكاديميين والسياسيين وهو كثير.
عاشرا، انتفاضة الطلاب شهدت مشاركة طلاب من مختلف الملل والنحل والألوان والأعراق، بل إن اتساع الاحتجاجات وانتشارها جذب المزيد من التأييد وزاد من تقبل بعض قطاعات المجتمع بإمكانية مخالفة الأعراف والقواعد من أجل الدفاع عن قضية عادلة، وقد ربط البعض بين انتفاضة الطلاب والحراك التاريخى الرافض لحرب فيتنام، حيث لم يحدث حراكا مثل هذا منذ نصف قرن على الأقل، وربما يؤدى إلى تحولات مستقبلية فى المجتمع الأمريكى الذى يثق فى روايات إعلامه وسياسييه دون نقد أو مراجعة عقلانية.
أخيرا، فإن الكثير من أدوات التأثير متاحة منذ عقود فى يد العرب؛ أنظمة وحكومات ونخبا وأفرادا، ولكنهم يأبون الاستفادة منها، فالوقف، والتبرع، وتكوين جماعات ضغط تخدم القضايا العربية وليس الأنظمة، والاستفادة من وجود جاليات عربية وإسلامية متزايدة فى الولايات المتحدة والغرب كلها متاحة، فمن كان يتصور وجود هذا الكم من الطلاب العرب والمسلمين فى جامعات عريقة؟. لدينا العديد والعديد من الحلول والإمكانات، ولكن تنقصنا الإرادة السياسية، والوحدة. ولن يحدث أى تغيير فى هذا الواقع إذا ما استمرت الخلافات وتضارب المصالح وتنافس الأيديولوجيات وسيطرة الأهواء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.