تجسد مدينة مصدر، التي تُعد واحدة من أهم مدن المستقبل استدامة في العالم، إيمان دولة الإمارات بأهمية الاستثمار في الطاقة النظيفة والمتجددة التي تعتبرها ركيزة أساسية من ركائز الاستدامة. وقد جاء الاستثمار في هذا القطاع في مقدمة الأولويات الاستراتيجية لدولة الإمارات التي تسير قدماً نحو قيادة الجهود الهادفة لتبني أفضل الابتكارات بغرض مواجهة آثار تغيّر المناخ والتخفيف من آثار الاحتباس الحراري، الذي يعد محوراً رئيسياً في المناقشات العالمية في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28»، الذي تستضيفه الإمارات في الفترة من 30 نوفمبر وحتى 12 ديسمبر المقبل في مدينة إكسبو بدبي. وانطلق تطوير مدينة مصدر، أحد المجتمعات الحضرية الرائدة المستدامة، عام 2008، لتضم المدينة مجتمعاً حيوياً حضرياً منخفض الكربون، ومجتمعاً متنامياً قائماً على التقنيات النظيفة، ومنطقة حرة، ومنطقة سكنية، ومطاعم ومتاجر تجزئة، ومنتزهات خضراء. وتعتبر مدينة مصدر مركزاً للتقنيات النظيفة، لذلك تعد مدينة جاذبة للشركات المتخصصة والراغبة في مزاولة أعمالها في الشرق الأوسط ومساعدة المنطقة على تحقيق أهدافها في مجال الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، وسط ظروف وبيئة عمل مثالية. وفي إطار سعيها لترسيخ أسس الحياة المستدامة، تلتزم مدينة مصدر بتطوير مرافق ومنشآت مستدامة عالمية المستوى تعود بالنفع على المقيمين فيها وعلى المجتمع المحلي، بما يمكنهم من تحسين جودة حياتهم وتشجيعهم على تبني أسلوب حياة أكثر صحة. وتطبق التصاميم العمرانية الذكية لمدينة مصدر أفضل الممارسات في مجال التنمية المستدامة، حيث توفر البنية التحتية للمدينة منصة تساعد الشركات على إجراء اختبارات عملية، وتطبيق الحلول الجديدة للطاقة في بيئة حضرية، الأمر الذي يساعد على تسريع جهود البحث والتطوير، فضلاً عن التسويق التجاري للتقنيات النظيفة. ويجمع التصميم المعماري للمدينة بين جماليات وأصالة فنون العمارة العربية التقليدية وحداثة الفنون العصرية، وهو ما يظهر جلياً في مباني المدينة التي تقلل من استخدام الطاقة وتستخدم التهوية الطبيعية التي توفرها أبراج الرياح، كما تستفيد من حركة مرور الهواء المنعش فيها لتوفير برودة طبيعية تضمن أجواءً مريحة أثناء ارتفاع درجات الحرارة صيفاً. وتجمع مواد البناء "الخضراء" التي استعانت بها المدينة في أعمال التشييد، بين مزيج إسمنتي لا يتسبب تصنيعه في انبعاث كميات كبيرة من الكربون، وألمنيوم وحديد صلب تم تدويرهما، إضافة إلى أخشاب مستوردة من غابات تدار بطريقة مستدامة، وغيرها من المواد الصديقة للبيئة. كما تقدم مدينة مصدر شبكة نقل ذكية ومتكاملة تعزز فرص الوصول إليها والحياة فيها، حيث يحظر استخدام السيارات التقليدية، إذ تعتمد المدينة على أنظمة النقل التي تشغلها الطاقة النظيفة، منها نظام النقل العام ونظام النقل الشخصي السريع الذي يستخدم حالياً في الحرم الجامعي لمعهد مصدر، مشروعاً تجريبياً. وتستفيد مدينة مصدر من أشعة الشمس المستمرة طوال العام، إذ تعمل على توليد الطاقة الكهربائية النظيفة باستخدام تكنولوجيا الألواح الشمسية المنتشرة على أسطح المباني، حيث تزودت المرحلة الأولى فقط من المشروع بمحطة توليد للطاقة الشمسية بقدرة 10 ميجاواط مدعومة بسلسلة من النظم الصغيرة المثبتة على الأسطح لترفد المدينة بمعظم احتياجاتها من الكهرباء، وتحد من الحاجة إلى الطاقة العاملة بالوقود الأحفوري، بالإضافة إلى ذلك، تمتلك المدينة أحد أضخم التجهيزات الكهروضوئية في منطقة الشرق الأوسط. وتحظى طرقات مدينة مصدر بتصميم يوفر بيئة وارفة الظلال طوال اليوم، تستقطب نسمات الهواء بهدف تخفيض درجات الحرارة، وهو ما يحد من استخدام مكيفات الهواء. وعملت مدينة مصدر على تكريس أسس الاستدامة والحفاظ على البيئة عبر استخدام تطبيقات عالية الكفاءة ترسخ الاستدامة مثل صنابير المياه منخفضة التدفق، وإصدار تعرفة للمياه، وعدادات المياه الذكية، فضلاً عن أجهزة معالجة مياه الصرف الصحي لاستخدامها في ري النباتات.