إنه علي الرغم من قناعتي التامة بأنّ يوم عيد الأم لا يتعدي كونه وخزة للذاكرة فقط لأولئك المتناسين من الأبناء، الذين شغلتهم أعباء الحياة حتي عن أيسر الوفاء للأم، أما الحقيقة فعيدها ينبغي أن يكون مع إشراقة كل صباح، ومع ﻛﻞ ﻧﺒﻀة من القلب بقدر ما قدمت من عطاء وتفانٍ غير مقترن بزمن أو ثمن. ولقد ارتبطت هذه المناسبة في ذهني بحادثة طالما طاردتني بدون استدعاء، ولا أغالي إذا ما قلت في معظم الأوقات، وأنني لا أدري في الحقيقة لماذا هي بالذات؟! هل لأنها الأقرب؟ أم لأنها الأعمق؟ أم لأنها عظمة العطاء وشموخ الكِبْرِياء، لكن علي أي حال تعود وقائع تلك القصة لزمن بعيد، فكنت قد اعتدت علي مدار سنوات طويلة عند عودتي من عملي متأخراً كعادتي، أن أطلب فنجان قهوة من يد أمي، حتي صارت عادة لديها أن تأتي إليّ بفنجان القهوة بمجرد أن تسمع صوت صرير حذائي، وفي أحد الأيام قدمت لي فنجان القهوة المعتاد ولكنها أضافت الملح بدلا من السكر إلي فنجان القهوة، فجزعت وطارت نفسي من ذلك، وقلت لها بانفعال شديد: »ما هذا يا أمي القهوة عليها ملح»، وفي وزاع من الكرامة وما من لحظات حتي دخلت في حالة بكاء شديد، وقد حاولت جهد النفس أن أحتويها وأهدي من روعتها ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل، إنها لم تتقبل فكرة الشيخوخة وما يصاحبها من تحديات، أو أنها غير قادرة علي العطاء، ولا أخفي قولا إنني لازلت أشعر ببعض الألم ووخز الضمير حتي الآن، كلما تذكرت وقائع هذه القصة، فهل تسامحيني يا أماه؟. ومن هنا وأنا أقف علي أعتاب هذه المدرسة الصحفية العريقة، مؤسسة أخبار اليوم، تلك المؤسسة التي امتد تأثيرها من الداخل كواحدة من أكبر المؤسسات الصحفية في مصر ليتعدي دورها وتأثيرها الإيجابي إلي الوطن العربي والشرق الأوسط، والتي تمخضت سطورها عن فكرة الاحتفال بعيد الأم تكريما لدورها في تربية أبنائها وتأثيرها في مجتمعها، علي يد الكاتب الصحفي الكبير علي أمين يوسف، أول من طرح فكرة الاحتفال بعيد الأم في مقالة له، وقد لاقي هذا المقال دعم قطاعات عريضة من الشعب المصري، ليتم التوافق علي اختيار يوم 21 مارس تزامنا مع بدء فصل الربيع ليكون عيدا للأم، إزاء ذلك لا يسعني إلا أن أشعر بالفخر والاعتزاز تجاه هذا الصرح المؤسسي وأنا أسطر حروفي المتواضعة عبر صفحاته المُعبقة بروائح بالمجد، أَنْ أتوجه بدعوة ونداء إلي جميع المصريين، أن يجعلوا من هذا اليوم النبيل، يوماً لأمهات الشهداء أسر شهداء الجيش والشرطة، ممن قدموا أبناءهم قرباناً لوطنهم، قولوا لهم أنتم لستم بمفردكم ولن ننسي تضحياتكم، امسحوا دموعهن، قبلوا أيديهن، وجباهن الشامخة، قبلوا الثراء من تحت نعالهن الطاهرة، وقولوا لهن كل عام وأنتن سطور التضحية وعناوين الكرامة، كل عام وأنتن أجمل وأنبل ما في الوطن.