عميد الكلية التكنولوحية بالفيوم يتفقد لجان امتحانات الفصل الدراسي الثاني    الإفراج عن المحبوسين على طاولة الحوار الوطني    «العامة للنواب» توافق على الموازنة التفصيلية للمجلس للسنة المالية 2024/2025    «التنظيم والإدارة» يتيح الاستعلام عن نتيجة التظلم للمتقدمين لمسابقة معلم مساعد    محافظ سوهاج: تلقي أكثر من 16 ألف طلب تصالح على مخالفات البناء بالمحافظة    الدورة ال 77 لجمعية الصحة العالمية ترسخ إنجازات COP28 بشأن الصحة وتغير المناخ    «متبقيات المبيدات» ينظم برنامج تدريبي حول طرق سحب العينات الغذائية    أشرف عطية يتابع مشروع محور بديل خزان أسوان الحر    ترامب يحذر من أن عقوبة السجن قد تكون «نقطة تحول» لداعميه    مصر تواصل تحركاتها لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة إلى أهالي غزة    الأهلي يكرم فريق «سيدات اليد»    مفاجأة.. مدرب ليفربول يحسم مستقبل محمد صلاح    خاص رد قاطع من نادي الوكرة على مفاوضات ضم ديانج من الأهلي    مدة الدراسة عام.. تفاصيل البرنامج التدريبي لمدربي المنتخبات الوطنية    المشدد 10 سنوات لسائق لخطفه طفل والتعدى عليه بقليوب    تركي: انتظام أعمال تفويج حُجَّاج السياحة.. والجميع متكاتف لإنجاح الموسم    عاشرها جنسيا بعد موتها.. هكذا تخلص سفاح التجمع من ضحيته المتزوجة    عمر كمال يقرّر تأجيل أغنيته «أنا بطل السوق» بسبب محمود الليثي    سوسن بدر: «بتعلم من الشباب ولو وقفت عند جيلي هابقى قديمة» (فيديو)    الهويّة السرديّة: مقاربة نقدية في رواية موسم الهجرة إلى الشِّمال    قصور الثقافة تختتم مشاركتها بالمهرجان الدولي للطبول    نسرين طافش: كنت فنانة في حياتي السابقة.. وهذه وصيتي    سنن الأضاحي وشروط الأضحية السليمة.. تعرف عليها    موعد وقفة عرفات والأدعية المستحبة.. تعرف عليها    377 حالة.. مركز سموم بنها يعلن التقرير الشهري لحالات التسمم (تفاصيل)    في دقيقة واحدة.. طريقة تحضير كيكة المج في الميكروويف    اليوم العالمى لمواجهة الحر.. كيف تحمى نفسك من النوبات القلبية؟    تأجيل إعادة إجراءات محاكمة متهمين ب "جماعة حازمون الإرهابية" ل 2 سبتمبر    اندلاع حريق بالقرب من مبنى الكنيست في القدس    الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصفه قرى وبلدات جنوبي لبنان    كولر يوجه صدمة قوية لنجم الأهلي (خاص)    محمد الشيبي.. هل يصبح عنوانًا لأزمة الرياضة في مصر؟    الأهلي يكرم فريق سيدات اليد    أحمد حلمي بمهرجان روتردام: الفنان يجب أن يتحمل مسؤولية تقديم الحقيقة للعالم    الهيئة الوطنية الصينية للفضاء تعلن هبوط المسبار تشانج آه-6 على القمر    العمل: 3537 فُرصة عمل جديدة في 48 شركة خاصة تنتظر الشباب    4 أعمال مستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة.. احرص عليها    كيف تحرك مؤشرات البورصة مع بدأ تنفيذ صفة الاستحواذ الإماراتية على أسهم السويدي اليكتريك؟    أول تطبيق لتحذير النائب العام من تجاوز السرعة.. قرار ضد سائقي حافلتين مدرستين    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل مسن في روض الفرج    مفتي الجمهورية: يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر    حج 2024| «الأزهر للفتوى» يوضح حكم الحج عن الغير والميت    كوريا الشمالية ترسل 600 بالون إضافي محملين بالقمامة عبر الحدود    وزير المالية: مشكلة الاقتصاد الوطني هي تكلفة التمويل داخل وخارج مصر    تأجيل نظر طعن المتهمين بقتل شهيدة الشرف بالمنصورة    تحرير 139 مخالفة للمحلات غير الملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    النواب يحيل 3 اتفاقيات للجان النوعية في بداية الجلسة العامة .. اعرف التفاصيل    توريد 125 طن قمح لمطحن الطارق بجنوب سيناء    في زيارة أخوية.. أمير قطر يصل الإمارات    وزير التعليم العالي يوجه بضرورة توفير الدعم للجامعات التكنولوجية    غرفة الرعاية الصحية: القطاع الخاص يشارك في صياغة قانون المنشآت    وزيرة التخطيط ل"النواب": الأزمات المتتالية خلقت وضعًا معقدًا.. ولابد من «توازنات»    رئيس التنمية الصناعية: 40% نموًا بإجمالي مساحات الأراضي المخصصة للقطاع الصناعي    محافظ كفر الشيخ يعلن أوائل الشهادة الإعدادية    تحرير أكثر من 300 محضر لمخالفات في الأسواق والمخابز خلال حملات تموينية في بني سويف    ل برج الجوزاء والعقرب والسرطان.. من أكثرهم تعاسة في الزواج 2024؟    عمرو السولية: هدفي الاستمرار في الأهلي حتى الاعتزال    قصواء الخلالى ترد على تصريحات وزير التموين: "محدش بقى عنده بط ووز يأكله عيش"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمر مازال ينمو
نشر في أخبار السيارات يوم 08 - 09 - 2018

ضج قلب الشارع المختنق، الذي اكتسي في غفلة من حزنه، بتعليقات الزينة التي أغرقته وبعضاً من مظاهر الفرح الكاذبة الخادعة، حتي ظللت ليلة الوخيم بصورة مبهجة مصطنعة، ومن أسفل نافذة تبزع منها سيدة متشحة بالسواد تخفي الدموع بعضا من ملامح وجهها كانت منهمكة في استدعاء الآلام احتجزتها ذاكرة الوجع، تجمع عدد كبير من الصبية والبنات يرتدون ملابس الوقفة الجديدة بألوانها الزاهية، وكانوا يردّدون بعض الأغاني والأهازيج وهم يمرحون : »بكرة العيد وعانعيد وعا ندبح بقرة الشيخ سيد»‬، وبينما كان يقوم البعض الآخر منهم بفرقعة البمب وتفجير الصواريخ وهم يتلذذون بسماع صوت الانفجار وتطاير الشرر والألوان الزاهية، في حين كان يتوالي البعض منهم اللعب مع الخراف وقضاء معظم الساعات الاخيرة معها، وبين جنبات الشارع القديم المتهالك اصتفات البيوت علي جانبيه مستندة إلي بعضها البعض في محاولة لاستحكام شداداتها المحطمة وبقايا أحمالها التي انتزعتها مخالب الزمان وقد تناثرت أسفلها عربات سن السكاكين، وفي نهاية الشارع كانت تفترش سيدة طاعنة بالسن احد الارصفة لبيع الرقاق المخبوز.
كانت السيدة المطلة من شرفتها المسيجة بالحزن بثوب أسود غطيس لا تعبأ لما يحدث خارج شرفتها بل بقيت تواسي وحدتها بنصل صدي ذكريات قاتلة، حتي دارت عيناها في كل هذا العبث ليوقفها مشهد رجل ثلاثيني فظ غليظ قاسي القسمات والقبضات مقتطب الجبين قلقاً يبدو من هيئته أنه جزار كان يعقد في معصمه عقدًا غليظا يمططتُ عنق بقرة صفراء كانت تذرف من عينيها ألم بدل الدموع ملفتا كلما تحرك يصدر جلبة ملفتة للنظر ليجوب الشارع في لحظات فخر واعتزاز كفارس من ورق لاتخلو من بعض تشنجات في معصمه.
ومن ثم قامت تسدل ستار شرفتها علي ضجيج الاطفال، لتسمع صراخ البوابة وهي تغلق، والتفت الي الساعة الخشبية القديمة المتآكل وجهها و المعلقة علي احدي الحوائط الممتعضة من لونها الذي لم تختاره، لتجد الساعة تشير اليها هي وليس هو بتوقيت غيابة، التفت الي صورة »‬عمر» التي أحاطت بها كومة الغبار من كل جانب، ويبدو أنها قد شعرت بما شعرت به الصورة المعلقة علي الجدار بعد أن رحل صاحبها، كانت ساعات ليلة »‬الوقفة» هذه الليلة التي تسبق ليلة العيد, قد مرت عليها بطيئة مثقلة بدموع الحنين، كقاتل محترف دون وازع أو ضمير، فكاد صيعر ألسنة الحنين تفتك بما تبقي من قلبها من حياة، بعدما ظل الليل مستمرا في اطلاق توسلاته واستغاثته،انتظارا لتلك اللحظة، التي تدخل لتحمل له مزيدًا من الضي، وبين أصابعها المشغولة بالفجر كانت تحمل زوده الزيارة التي حفظت ترتيبها عن ظهر قلب في تلك السلة المصنوعة من القش والتي اعتادت علي حملها في زيارتها لقبر »‬عمر» فوضعت كحك الطلعة في الاسفل كطبقة أولي وفوقهم بضعه حبيبات من البرتقال والموز والخوخ، ولم تنس أن تضع في حافظتها الخالية دائما بضعة قطع من النقود المعدنية الصغيرة والتي اقترضتهم من الحاج أنور البقال لتعطيهم للاطفال الذين اعتدتُ رؤيتهم علي مدار إحدي عشر عاماً خلت من ابنها »‬عمر» ذي العشرة أعوام بعد إصابته بحمي شديدة أودت بحياته، إلا أنه خلال تلك الاعوام كان ينمو في ذاكرتها وتبزغ صورتة في عينيها كسنبلة قمح تكبر يوما بعد يوم.
لم يغمض لها جفن طيلة الليل وقد بدا علي وجهها ترتسم علامات التعب والهم، وما إن لاح الصباح ونسج أول خيوطه حتي كانت علي أهبة الاستعداد لمغادرة المنزل تراقبًا لموعدها كتوق عتمة السجن إلي فوهة الفجر، فقد همّت مسرعة بحمل السلة علي رأسها، ومضيت تشق طريقها وهي تتحركُ ببطء شديد، الشارع الطويل كان يضنّ عليها، واثناء المسير كانت تلتهم وجوه العابرين وتتأمل ملامح كل ولد يكبر، لعلها تراه إلا أنها لم تره، وما إن حطت قدماها علي أرض المقابر حتي وجدت باعة الألعاب الأطفال والحلوي والطبلة والرق والربابة يمشطون المكان، كان الجميع يحتفل مع موته بالعيد، عدا »‬عمر» كان وحيد، هرعت إليه مسرعة وهي تقول بصوت مختنق: »‬أنا معك يا حبيبي لن تعد لوحدك أبدا حتي آتي إليك»، وأسندت رأسها علي حافة شاهد القبر بعدما جلست القرفصاء و دخلت في نوبة بكاء شديد: »‬عامل ايه يا عمر وحشتني قوي ياضنايا» وبين حين وآخر كان يمر عليها أحد الاطفال قائلين لها رحمة ونور كانت تمد يدها المرتعشة وتعطي له إحدي حبيبات الفاكهة أو كعكعة أو قطعة نقدية، في حين كان يمر عليها رجل طاعن بالسن قائلا: »‬اقرأ قرآن ياست رحمة ونور» ويبدأ في القراءة بتلعثم شديد وآخرون يقومون بسقي نباتات الصبار المحاطة علي قبره بالمياه، وقد خيل إليها أنه يجلس أمامها وأنا أذرعها المشرعة قد امتدت إليه لتعانقة حتي يخترق ضلوعها، مضي الوقت الوقت سريعا،حتي أذنت الشمس بالمغيب وانصرف جميع زوار المقابر وحتي الباعة ليخيم الليل بستائره، وفي هذه اللحظات كأنها سمعت صوته يهاتفها أمشي يا ما، فردت لا أستطيع الرحيل، همس لها مجددا: »‬أمي أنني لم أمت، أنا مازلت أنمو في قلبك وقد صار عمري واحدا وعشرين عاماً في الصباح ألهو مع الغمام وفي المساء يأوي علي صدري الحمام لينام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.