أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن عن إنشاء ميناء مؤقت على شواطئ غزة، بزعم إدخال المساعدات لأهالى القطاع المحاصرين منذ أكتوبر الماضي، الكثير من الجدل حيث تتصور بعض الأوساط أن محاولات بايدن لإدخال المساعدات رغم رفض وانتقاد الصهاينة تتناقض وعقيدة الأمريكان الراسخة بشأن دعم الإسرائيليين عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا في حرب الإبادة التي يشنونها ضد أطفال ونساء غزة. والتى أسفرت عن ارتقاء أكثر من 30 ألف شهيد وإصابة أكثر من 100 ألف، فيما يتعرض ما يزيد على مليون ونصف فلسطينى لحرب تجويع ممنهجة، وكانت إدارة بايدن هي المزود الرئيسي لجيش الاحتلال بالأسلحة الفتاكة المستخدمة في استهداف الفلسطينيين العزل، بخلاف عرقلتها كل الجهود المبذولة أمميًا لوقف الحرب وإدخال المساعدات للمحاصرين منذ أكثر من 150 يومًا. كان الرئيس الأمريكي خلال خطابه ل"حالة الاتحاد" قد أعلن انه وجّه الجيش الأمريكي لإنشاء ميناء بحري مؤقت على ساحل غزة، من أجل استقبال سفن المساعدات الإنسانية التي ستصل عبر ممر بحري من قبرص . وزعم أن الهدف من هذا الميناء تقديم مليوني وجبة لمواطني غزة يوميًا وهو ما آثار انتقادات الخبراء الذين اعتبروا إعلان بايدن عن انشاء الميناء يكشف التناقض الفج بين تلك التصريحات التي يبدو من ظاهرها الإنسانية، والإجراءات الفعلية التي تقوم بها إدارة بايدن لدعم الاحتلال الصهيونى في حربه الوحشية ضد الفلسطينيين . وتساءل الخبراء عن الدوافع الحقيقية وراء تلك الخطوة، ولماذا تلجأ أمريكا لإدخال المساعدات عبر البحر والجو، فى الوقت الذى يمكنها – إذا أرادت – إدخالها عبر الطريق السهل المتعارف عليه من خلال معبر رفح.. وماذا يريد بايدن وإدارته من وراء تلك الخطوة؟ دعم الصهاينة من جانبه أكد الدكتور نبيل العتوم استاذ العلوم السياسية؛ أن الولاياتالمتحدة مستفيدة مما يحدث في قطاع غزة مشيرا إلى أنها تعتبر حركة حماس ذراعا إيرانيا في غزة. وقال العتوم في تصريحات صحفية : ادخال المساعدات إلى قطاع غزة لا يتطلب كل التعقيدات التي يختلقها الأمريكان ؛ خاصة وان ادخال المساعدات بعده أشكال سواء برية أو بحرية أو جوية هي عبارة عن عمليات رمزية ورائها أهداف تشجع الصهاينة على الاستمرار في حرب الإبادة . وأضاف: هناك ضغط غير مسبوق على الإدارة الامريكية وعلى الحكومة المتطرفة في إسرائيل لوقف المجازر وعمليات الإبادة الجماعية؛ ولذلك يتم السماح بألقاء المساعدات من الجو أو حتى إقامة رصيف بحري يخفف الضغط على إسرائيل وعلى الإدارة الامريكية المصابة بانفصام . وانتقد العتوم الإدارة الامريكية التى تتحدث عن المجازر ضد الأطفال والشيوخ وعمليات التجويع؛ ثم تتحدث عن ضرورة استمرار العمليات العسكرية في رفح وكأن الهدف من الهدنة في هذا التوقيت هو وقف عمليات القتل في رمضان ثم تعود عمليات الإبادة مرة أخرى بعد ذلك. وكشف أن هناك ضوء اخضر أمريكي لاستمرار العمليات العسكرية وهناك أهداف بعيدة المدى خاصة أن إدارة بايدن تعتبر حركة حماس ذراعا لإيران في قطاع غزة كما أنها تعتقد أن التلويح بالمساعدات الإنسانية يخفف الضغط عليها وبالتالى تريد تقديم شبه انجاز من خلال تقديم المساعدات الغذائية . وأوضح العتوم أن الإدارة الامريكية لو ارادت الضغط على الجانب الإسرائيلي لفتح المعابر فسوف يتم فتحها لكنها مستفيدة مما يحدث في غزة؛ مشيرا إلى أن الإدارة الامريكية تعتبر حماس حطمت جزءا من الجهود الامريكية في اتمام التطبيع بين الجانب الإسرائيلي والسعودية وبايدن كان يريد تقديم ذلك للناخب الأمريكي كأنجاز لكن حماس حطمت ذلك . وشدد على أن بايدن أيضا يعمل على خدمة اللوبي الصهيوني لضمان أصواتهم في الانتخابات؛ مؤكدا أن اخفاق بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة يفيد نتنياهو في وصول حكومة جمهورية أكثر تأييدا للصهاينة .
فشل أمريكي وأكد الباحث السياسي عادل محمود؛ أن الهدف من اقامة ميناء على شاطئ غزة هو تموضع عسكري أمريكي ما يؤكد أن ملف غزة أصبح أمريكيا خالصا وقال محمود فى تصريحات صحفية : هناك دول تحت غطاء توزيع المساعدات تقوم بتنفيذ أمور أخرى مثل التموضع العسكري مشددا على أن تقديم المساعدات سواء من خلال الانزال الجوي أو البحر هدفه عدم تفعيل المعبر الحقيقي وهو معبر رفح . وأشار إلى أن الأهم الآن هو وقف إطلاق النار بدلا من الذهاب إلى زوايا أخرى لتقديم المساعدات معتبرا أن الأمريكان يعملون من أجل إطالة أمد حرب الإبادة فى غزة ومساعدة الصهاينة فى تهجير الفلسطينيين . وكشف محمود أن الإدارة الأمريكية حاولت وقف نشاط وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" ومنع وصول المساعدات إلى الفلسطينيين لكنها فشلت وبدأ نشاط الوكالة يعود تدريجيا عقب فشل الأمريكان فى دفع دول العالم إلى تعليق المساعدات إلى الأونروا مؤكدا أن السبب الرئيسي لعودة كندا والسويد لتمويل "الاونروا" هو الفشل في إيقاف الوكالة. وأوضح أن كل من شارك في موضوع وقف تمويل الأونروا وجدوا أنفسهم امام فضيحة؛ ووجدوا أنفسهم مشاركين في تجويع الشعب الفلسطيني في غزة وتصفية موضوع عودة اللاجئين. وأضاف محمود: الرواية الصهيونية حول مشاركة بعض موظفى الأونروا فى طوفان الأقصى تدريجيا لم تلق صدى لأن الموجة اليوم موجة مساعدات نتيجة أن الولاياتالمتحدة تقود هذه الموجة من أجل تبييض صورة بايدن؛ وهو ما يوضح لماذا الولاياتالمتحدة بداية من الانزال الجوي ثم تحريك الدول تحت الطاولة لعودة دعم الوكالة وسوف نرى دولا أخرى ستتراجع . وأكد أن الاونروا أسقطت بشكل او بأخر المشروع الصهيوأمريكي لتصفية الوكالة تدريجيا وهو فشل أمريكي وإسرائيلي .
حرب التجويع وقال الباحث في الإعلام الدولي عماد عنان ان الميناء الأمريكي لن ينجح فى تخفيف الأعباء على الفلسطينيين المحاصرين في غزة، موضحا أن هذا الفشل يرجع إلى سببين : الأول: من حيث التوقيت، فالمشروع يحتاج إلى قرابة شهرين حتى يكون جاهزًا لاستقبال سفن المساعدات، وهي فترة طويلة في ظل ما يعانيه سكان القطاع من حرب تجويع ممنهجة، حيث تقول الأممالمتحدة إن ما لا يقل عن 576 ألف شخص في غزة، أي ربع سكان القطاع، على شفا المجاعة. الثاني: التعقيدات اللوجستية والإدارية، لأن سفن المساعدات ستخضع للتفتيش من "إسرائيل" مرتين قبل وصولها إلى غزة، المرة الأولى قبل إقلاعها من قبرص، والثانية بعد وصولها إلى الميناء المزعوم، بخلاف احتمالية عرقلة الجانب الإسرائيلي لإدخال المساعدات الخاصة بالمستلزمات الطبية والوقود وهو ما يجهض المحاولة من الأساس. وأكد عنان فى تصريحات صحفية أن الهدف الرئيسي من وراء هذا المشروع المزعوم هو محاولة إدارة بايدن ستر عوراتها المفضوحة بسبب الدعم اللامحدود للكيان الصهيوني وتورطها كشريك أساسي ورئيسي في جرائم الإبادة المرتكبة بحق أهالى غزة، في ظل تراجع الدعم العالمي للاحتلال مقارنة بما كان عليه بداية الحرب بعدما انكشف زيف السرديات الصهيونية المضللة. وأشار إلى أن الصمت الفاضح للإدارة الأمريكية على حرب التجويع التي يتعرض لها أكثر من مليوني مواطن في القطاع المحاصر وضعت سمعة أمريكا على المحك وعرضتها للتشويه وباتت في مرمى الانتقادات الحادة، حتى من النشطاء في الداخل الأمريكي موضحا أن واشنطن حاولت إنقاذ سمعتها المتدهورة من خلال تقديم المساعدات عبر الإنزالات الجوية لكنها محاولات غير مجدية، خاصة أنها ترافق جسور من المساعدات العسكرية التي تقدمها لجيش الاحتلال لممارسة جرائمه ضد أطفال غزة ونسائها. إنسانية القنابل وشدد عنان على أنه لو كان بايدن جادًا في وقف المجاعة لسمح بإدخال آلاف الشاحنات يوميًا من معبر رفح، ومن ثم توصيلها للشمال مؤكدا أن الميناء محاولة مكشوفة وتافهة لإظهار إنسانية تفضحها القنابل التي تحصد الأبرياء من نساء وأطفال وكبار وصغار على مدار الساعة وحذر من أن الهدف من تدشين الميناء ، ربما يكون نافذة لتهجير سكان غزة بالتزامن مع تكثيف القصف وتشديد الخناق عليهم، خاصة بعد رفض مصر التهجير لسيناء وغلق معبر رفح بشكل كامل، مع تقديم الأمريكان التسهيلات اللازمة التي تغري الفلسطينيين بمغادرة القطاع والسفر إلى قبرص ومنها إلى أي دولة أخرى. وأشار عنان إلى أن الميناء سوف يساعد الأمريكان فى التسلل إلى غزة لدعم المخطط الصهيوني في تنفيذ أجندته الاستعمارية الرامية إلى السيطرة الكاملة على قطاع غزة وتشديد الحصار عليه وغلق كل المنافذ أمام احتمالية أن يشكل تهديدًا لأمن "إسرائيل" في المستقبل . وشدد على أنه أيًا كانت الدوافع بشأن هذا الميناء، فإن الأمريكان أبعد ما يكونون عن الانتصار للإنسانية والتعاطف مع أهل غزة في مواجهة موجات القتل التي يتعرضون لها ساعة تلو الأخرى، إما قصفًا وإما جوعًا، بفضل الأسلحة التي ترسلها واشنطن إلى تل أبيب منذ بداية الحرب، مؤكدا أن اليد الملوثة بالصواريخ والرصاص والقنابل لا يمكن غسلها بوجبات غذائية، لا تُبقي على الحياة قدر ما تؤجل فقط موعد الموت.