في الوقت الذي اهتمت فيه قيادات جماعة الإخوان المسلمين، بالعلاج النفسي لأعضاء وشباب الجماعة بعد تعرضهم لصدمة عزل الرئيس مرسي من الحكم والقبض علي قيادات التنظيم بتهم جنائية، يقول الخبراء في الطب النفسي، إنه من الطبيعي والمتوقع أن يتعرض كل من هو يتبع الجماعة أو كان يؤيدها، لصدمات نفسية تسبب اكتئابا ويأسا شديدا، مما يلزمه العلاج والتأهيل. وقد كشفت مصادر مقربة أن تنظيم الإخوان ضاعف من اجتماعات الأسر التربوية؛ بقصد إعادة تأهيل أعضائه من الشباب والفتيات وعلاجهم من الحالة النفسية التي انتابتهم منذ ثورة 30 يونية وعزل محمد مرسي، ولجوء العديد منهم لتناول أدوية مهدئة. وأكدت المصادر أن قيادات الإخوان الموجودين خارج السجون، لجأوا الي أطباء علم نفس لمعرفة طرق التعامل مع الأمراض التي أصابت شباب وأعضاء التنظيم في الفترة الماضية، وطالبوهم بعقد عدة جلسات نفسية وتأهيلية، والاهتمام بعلاج الحالات الصعبة. وقالت مصادر من داخل "الإخوان" إن الأزمات النفسية التي تعرض لها أعضاء التنظيم طيلة الأيام الماضية، بداية من فض اعتصامي رابعة والنهضة وأحداث رمسيس وغيرها في المحافظات، تسببت في عزوف الكثير منهم عن الانغماس مرة أخري في الحياة السياسية لفقدان الأمل في تغيير الوضع الحالي بجانب تعرضهم لأمراض نفسية، يسعي التنظيم حالياً لعلاجهم من خلال التنسيق مع أطباء نفسيين ومتخصصين في العلاج النفسي. كما تم تكليف "نقباء" الإخوان بمختلف المحافظات خصوصا المشرفين منهم علي الأسر التربوية بالاهتمام بالشباب الذين يعانون من أزمات نفسية والمساهمة في علاجهم لاستعادة لياقتهم النفسية مرة أخري، قبل أن تتسب هذه الأمراض في خروجهم من التنظيم. وأشارت المصادر إلي أن نقباء الإخوان بدأوا تطبيق برنامج علاجي بتنظيم لقاءات في الفضاء الواسع بعيداً عن المنازل، والابتعاد عن نقاط الخلاف السياسي تماماً، والتركيز علي كتب الزهد؛ للمساهمة في تخطي الأزمة الحالية. من جانبه قال الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، إنه من الطبيعي مع استمرار التظاهرات والاعتصامات والمواجهات والصراعات السياسية في مصر أن تكون هناك حالات تحتاج للمساندة النفسية والعلاج والتأهيل، من أبناء جماعة الإخوان، خصوصا هؤلاء الذين أصيبوا بما يسمي بمرض "اضطراب الكرب الحاد" وهو عبارة عن حالة من الكرب الشديد والقلق والانشقاق وأعراض أخري، ويحدث خلال شهر من التعرض لحدث شديد أصاب الشخص ذاته أو شاهدهه وتضمن هذا الحدث تهديدا حقيقيا بالموت أو الإصابة الخطيرة، أو التهديد لسلامته البدنية أو النفسية، أو لآخرين محيطين به، مع الشعور بخوف شديد وحالة من العجز، وهذا في مجمله ينطبق علي ما جري لأعضاء الجماعة بعد عزل الدكتور محمد مرسي، وتكرر سيناريوهات الاعتقال والمحاكمات كما حدث لهم في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعد محاولة اغتياله في حادث المنشية الشهيرة. ويضيف المهدي: أن الإخوان يمرون بأعراض انشقاقية مثل الشعور بالخدر أو الانفصال أو غياب الاستجابة الانفعالية، وربما نقص الوعي بما يحيط بهم، أو تغير إدراك الشخص لذاته أو للواقع المحيط به، أو حالة نسيان للتفاصيل الهامة في الحدث. وفسر "المهدي" دواعي إصرار مؤيدي الرئيس محمد مرسي علي عودته للحكم واعتصامهم في الميادين طوال هذا الوقت وخروجهم في مسيرات تهتف وتنادي بعودته، وتحملهم لكل الصعوبات علي الرغم من أن الواقع المنطقي يؤكد صعوبة أو حتي استحالة تحقيق هذا المطلب، بأنه بسبب الطبيعة العقائدية الدينية لأنصار مرسي، والتي تجعلهم علي ثقة عالية بعوامل قدرية غيبية مطلقة تتجاوز حدود الواقع ومعطياته، فهم يرون أنهم يخوضون معركة مقدسة لنصرة الشرعية والإسلام، ويخوضون صراعا مع القوي العلمانية لترسيخ الهوية الإسلامية في المجتمع المصري، وبالتالي يعتقدون أن النصر حليفهم لا محالة، وهم يستدعون من التاريخ الإسلامي حوادث كثيرة كان النصر فيها مستحيلا بحسابات موازين القوي ومعطيات الواقع ومع ذلك تحقق. وأضاف أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن الشحن الحماسي والديني لهم ليل نهار من القادة والموجهين، مع خلق حالة من الإدراك الذاتي للموقف ربما يستبعد الصورة الواقعية للأحداث ويضع مكانها صورة مرغوبة يكون من نتيجتها أن الدكتور مرسي عائد إلي منصبه لا محالة وأنه سوف ينتصر علي كل أعدائه. وأضاف المهدي: الخوف من العودة إلي حالة المطاردة والتجريم والحظر والملاحقة والاعتقالات والتعذيب لأفراد الجماعة وقادتها، يجعل خيار التراجع مرعبا ومؤلما، لذلك يختفي تماما من قائمة الخيارات المطروحة، ولا يسمح العقل الجمعي للمؤيدين بأي احتمالات أخري غير احتمال عودة الدكتور مرسي رئيسا وعودة الإخوان إلي سدة الحكم، وكأن الأحداث الماضية لم تحدث وكأن الواقع لم يتغير علي الأرض . وهذا الخوف له ما يبرره خاصة مع القبض علي بعض القادة والأعضاء وملاحقة آخرين وإغلاق القنوات الدينية ومعاودة الجهاز الأمني لنشاطه. ويري "المهدي" أن وجود ما يسمي بطبيعة وقوة الحشد وما ينتج عنه من تغيرات كمية ونوعية في طريقة التفكير مما ينشئ عقلا جمعيا خاضعا لإيحاءات القادة والزعماء والموجهين بعيدا عن أي حسابات منطقية أو موضوعية أو واقعية فالعقل الجمعي هنا يمثل روح هذه الحشود , وهذه الروح يتم شحنها طول الوقت باليقين بالنصر رغم كل العقبات. ويعتقد "المهدي" أنه ربما يدرك القادة والزعماء وبعض الموجودين في الحشد ممن مازالوا يملكون قدرة علي التفكير المنطقي صعوبة أو استحالة تحقيق مطلب عودة الدكتور مرسي إلي الحكم، ومع ذلك يستمرون في الحشد ليكون رفعا لسقف المطالب حتي يحقق موقفا تفاوضيا قويا في أي تسويات سياسية مقبلة، فإذا كانت السلطة قد راحت فلابد من الاحتشاد ومواصلة التظاهر والاعتصام لحماية الكيان التنظيمي للجماعة وحماية قادتها وأفرادها، والعودة إلي المنظومة السياسية الجديدة بشروط معقولة أو بخسائر أقل. وقال "المهدي" إنه من المتوقع ان يكون في عقل القادة والزعماء والأتباع نموذج عودة شافيز في فنزويلا إلي مقعد الرئاسة بعد إزاحته عنه وذلك بضغط شعبي مستمر مع انقسام في القوي علي الجانب الآخر. مشيرا إلي أن المراهنة علي كسب مزيد من التعاطف الشعبي خاصة إذا تعرض الحشد المؤيد للدكتور مرسي لهجمات من الشرطة أو الجيش وسقط منهم قتلي، وربما يطمحون إلي تأييد قد يأتي من بعض فصائل الجيش في وقت من الأوقات، أو تأييد دولي يتشكل مع استمرار الاعتصامات والمظاهرات. واختتم الخبيرالنفسي قوله: إذن فتفسير صمود هذه الحشود وإصرارها قد يشتمل علي بعض العناصر الدينية والحماسية، وعلي حالة إدراكية ذاتية، ويشتمل أيضا علي عوامل موضوعية عقلية وحسابات سياسية تبحث عن ظروف تفاوضية من مركز قوة أو تنتظر جذب مزيد من التأييد من الشعب أو من بعض فصائل الجيش أو من المجتمع الدولي، وكل هذا يتشكل عبر عقل جمعي يشحنه القادة والزعماء الذين يثقون بهم ثقة مطلقة. وقال الدكتور محمد عبدالفتاح، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر: إن ما يعانيه الإخوان من اضطراب نفسي، أدي إلي استقدام خبراء نفسيين، لعلاج أعضاء الجماعة، خاصة الشباب، لافتا الي أن أكثر المتشائمين، لم يكن يتوقع ما يحدث للجماعة الآن. وأضاف أن الخطأ الأساسي بالنسبة للإخوان، ليس السياسات، وإنما في التربية والعقيدة، التي حولت أفراد الجماعة إلي "حيوانات تتعامل بالغريزة فقط"، سواء كانت غريزة السلطة أو الجنس أو أي شيء آخر. وتابع، "لا أتعجب من مبادرات الإخوان التي تناشد الجمهور بتعطيل السيارات علي الكباري، أو تطليق الزوجات من أجل عمل زحام داخل قاعات المحاكم، فكل ذلك نابع من أنهم فصيل تربي علي حبه لنفسه ومصلحته فقط". وأوضح الدكتور خالد كمال، أستاذ علم النفس أن استقدام جماعة الإخوان لعدد من الخبراء النفسيين، يهدف لإخراج أعضاء التنظيم من الحالة النفسية التي انتابتهم منذ ثورة 30 يونية وعزل محمد مرسي، ولجوء العديد منهم لتناول أدوية مهدئة. وأضاف الخبير النفسي، أنه من الناحية العلمية البحتة، يلعب الطب النفسي دورا كبيرا في تحويل الحالة النفسية، ولكن ليس كل ما هو مثبت علميًا يتحقق علي أرض الواقع، الأمر الذي يجعلني أتشكك في نسبة نجاح هؤلاء الخبراء. وأشار إلي أن ما يعانيه الإخوان الآن، هو حالة من اللاشعور، ولا يدركون ما يفعلونه، مثل من يقود سيارة بسرعة كبيرة من أجل الوصول لنقطة ما، لكنه في الحقيقة يسعي إلي الموت". وتابع حديثه: "شعور اليأس والإحباط الذي يعانيه قيادات الجماعة، انتقل إلي شبابها، فبعد أن كانوا في السجون، أصبحوا علي رأس السلطة، ثم عادوا إلي السجون مرة أخري، وهذا يعتبر انتكاسة رسمية". وعن مبادرات الجماعة مثل "عطل عربيتك علي الكوبري، وطلق مراتك تزحم المحكمة" قال: إن "هذه فرفرة ميت"، فالإخوان الآن لا يملكون أي شيء، ولا يستطيعون فعل أي شيء، وبالتالي يقومون بهذه الأعمال "الانتحارية"، نتيجة ما يعيشونه من "دراما إغريقية"، بعد استيقاظهم من حلم إلي كابوس واقعي، هو 30 يونية.