إن الاتضاع هو الأساس الذى تبنى عليه جميع الفضائل وهو السور الذى يحمى جميع الفضائل وجميع المواهب ويمكن أن نعتبره الفضيلة الأولى فى الحياة الروحية من حيث الترتيب للبناء الروحى الذى تجلس على قمته المحبة من نحو الله والناس. فهو إذن نقطة البدء. فرب المجد فى العظة على الجبل بدأ التطويبات بقوله «طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات» (مت 5: 3 ) إن أى فضيلة خالية من الاتضاع فتكون معرضة أن يختطفها الشيطان فإن أردت أن تسلك حسنا فى إحدى الفضائل فاطلب من الرب أن يمنحك اتضاعا فى قلبك. والاتضاع ليس فقط فضيلة قائمة بذاتها، إنما هو متداخل فى باقى الفضائل أنه كالخيط الذى يدخل فى كل حبات المسبحة فإن أى فضيلة لا اتضاع فيها لا تعتبر فضيلة. ولا يقبلها الله أن السيد المسيح الذى تتكامل فيه كل الفضائل حينما وجه تلاميذه القديسين قال لهم «تعلموا منى فإنى وديع ومتواضع القلب»، (مت 11: 29) فلماذا لم يقل تعلموا منى الحكمة، المحبة، الحنو، الخدمة. فلماذا إذن ركز على التواضع والوداعة؟ أليس من أجل الأهمية القصوى لتلك الفضيلة. وقال مار إسحق «أريد أن أتكلم عن التواضع ولكننى خائف كمن يريد أن يتكلم عن الله» ذلك لأن التواضع هو الحلة التى لبسها اللاهوت حينما ظهر بيننا بالجسد. لذلك فإن الشياطين تخاف من المتضعين وهذا نراه فى قصة أبا مقار الكبير الذى ظهر له الشيطان وقال «ويلاه منك يا مقار أى شىء تفعله ونحن لا نفعله؟ انت تصوم ونحن لا نأكل انت تسهر ونحن لا ننام أنت تسكن البرارى والقفار ونحن كذلك. ولكن بشىء واحد تغلبنا» فسأله الأنبا مقار عن هذا الشىء فأجاب: «بتواضعك وحده تغلبنا» وهذا لأنه لا يستطيع الاتضاع لأن سقوطه كان سببه الكبرياء. وأيضاً قيمة التواضع فى حياة القديس الأنبا أنطونيوس حينما أبصر فخاخ العدو الشيطان فقال يا رب من يفلت منها؟ فأتاه صوت من السماء يقول «المتضعون يفلتون منها». وهنا نجد البعض يتساءل: ولماذا المتضع هو الذى يفلت من فخاخ الشيطان؟ فالإجابة هى أن المتضع إذ يشعر بضعفه يعتمد على قوة الله فتسنده قوة الله وتحميه من فخاخ الشياطين. فإن الصوم الحقيقى هو الذى ينسحق فيه الإنسان أمام الله بالاتضاع ويشعر بضعفه.. نطلب من الله أن يعطينا روح الاتضاع.