للنيل بهجته وفرحته، هو الهبة التي أنعم الله على مصر بها، منذ قديم الأزل هو شريان حياة مصر والمصريين، لكن خلال ال60 عامًا الماضية جاء مَن يعكر صفو مياهه، ليشهد تحديد إثيوبيا حوالي 26 موقعًا لبناء سدود على مجرى النيل في عام 1964، ومن بينها سد النهضة، ولكن ظل الأمر مركونًا على الرف بسبب تعاملات رؤساء مصر مع الأمر ولكن في 2011 وتحديدًا في الوقت الذي شهدت فيه البلاد فوضى، دقت إثيوبيا ساعة بدء العمل في سد النهضة. ولأن فكرة إنشاء السدود لم تكن وليدة اللحظة، فمنذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مرورًا بالرئيس محمد أنور السادات والرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، والرئيس المعزول محمد مرسي وصولاً بالرئيس عبدالفتاح السيسي، كل منهم تعامل مع الأمر بطريقته وسياساته، فعلى مر الزمن منهم مَن اختار الدبلوماسية ومنهم من فضل التهديدات ومنهم من انتقى التفاوض، وفي تلك الفترة شهدت العلاقات المصرية- الإثيوبية توترات عديدة لهذا السبب. لذا رصدت «المصريون» ردود فعل رؤساء مصر مع أزمات سدود إثيوبيا. «عبدالناصر» أنهى الأزمة بخطاب كانت هناك علاقة قوية تربط الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والإمبراطور هيلاسلاسي، وافتتحا معًا الكاتدرائية المرقسية عام 1968 عندما كانت إثيوبيا تابعة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية التي كانت ترسل قساوستها للعمل في الكنائس بأديس أبابا. حتى اليوم ذكر عبدالناصر وصوره في أنحاء إثيوبيا، ولكن عندما عزمت إثيوبيا إنشاء سد النهضة، أرسل عبدالناصر خطابًا للإمبراطور وجاء نصه: «من ناصر إلى هيلاسلاسى: نطالبكم بوقف أعمال بناء سد «تيس أباي»، لأننا نعتبره تهديدًا لحياتنا مما يستدعى تحركًا مصريًا غير مسبوق». فلم يكن إلا أن الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور، نصح سيلاسى بألا يستهين بتهديدات عبدالناصر، فتراجع إمبراطور إثيوبيا ورضخ لرغبة مصر وقلل ارتفاع السد من112 مترًا إلى 11 مترًا فقط. «السادات» يضرب بيد من حديد وعلى عكس عبدالناصر كان السادات، أكثر قوة وحسمًا في الأمر لذا شهدت السبعينيات قمة التوتر السياسى بين مصر وإثيوبيا، وتحديدًا في عام 1979 حينما أعلن السادات عزمه على مد مياه النيل إلى سيناء لاستصلاح 35 ألف فدان، الأمر الذي أثار غضب إثيوبيا، وأعلنت اعتراضها بشدة حتى أنها قدمت شكوى رسمية ضد مصر سنة 1980 إلى منظمة الوحدة الأفريقية. فكان الرد التاريخي الذي قاله «السادات» على هيئة تحذيرًا شديد اللهجة لإثيوبيا إذا حاولت المساس بحقوق مصر في مياه النيل، قائلاً: «إذا حدث وقامت إثيوبيا بعمل أي شىء يعوق وصول حقنا في المياه بالكامل فلا سبيل إلا استخدام القوة». الأمر الذي أوقف محاولات إثيوبيا لبناء السدود على النيل للمرة الثانية، وتوترت العلاقات بين مصر وإثيوبيا في تلك الفترة. «مبارك» يهدد واعتقدت إثيوبيا أنه مع تغيير كل رئيس سيتغير الأمر، فتجدد الأمر بإعلان إثيوبيا عزمها الاستمرار في خططها التنموية لمواردها من مياه النيل، وإقامة ما تحتاج إليه في ذلك من سدود، مؤكدة عدم وجود أي قوة على وجه الأرض يمكن أن تمنعها من ذلك، الأمر الذي جعل مبارك يهدد بقصف إثيوبيا إذا أقامت أي سدود على النيل، وهدأت الأمور بين الدولتين بتوقيعهما إطار التعاون سنة 1993 وبدء انضمام إثيوبيا إلى أنشطة التعاون المشترك في إطار حوض النيل ومشاركتها فيه بفعالية. ولكن عام 2009، طرحت إثيوبيا الأمر من جديد، حينما بدأت بعمل مسح لموقع السد، وفي عام 2010، أعلنت نيتها بناء سد مائي على نهر النيل. وتم توقيع اتفاقية عنتيبي في ذلك الوقت والتي قررت 6 دول من دول منابع النهر التوقيع على المعاهدة، ولكن امتنعت القاهرة والخرطوم عن التصويت وأكدا أن الاتفاقية مخالفة لكل الاتفاقيات الدولية، وفي يونيو 2010 قدمت مصر شكوى رسمية إلى الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي تطالب فيها بعدم تمويل السد. وفي أبريل 2011، وضع رئيس الوزراء الإثيوبي السابق ميليس زيناوي، حجر الأساس للسد، وإنشاء مهبط لطائرات النقل السريع، ما دفع مصر لإرسال وفد «الدبلوماسية الشعبية» المكون من قيادات سياسية وحزبية لمناقشة الأمر، إلا أن المفاوضات فشلت، وبات الأمر يزداد سوءًا ويعلو السد يومًا بعد يوم. «مرسي» زاد الطين بلة بعد الزيارة التي أقامها مرسي إلى إثيوبيا في 14 يوليو 2012، لمناقشة ملف المياه، أوقفت المفاوضات بعد الزيارة بأشهر قليلة، وفي مايو 2013 أعلنت أديس أبابا بدء العمل في بناء سد النهضة. الأمر الذي على إثره دعا «مرسي» القوى السياسية لعقد جلسات الحوار الوطني لمناقشة أزمة «السد»، وتم التلميح خلال الجلسة باحتمالية التدخل العسكري حين قال: «كل الخيارات مطروحة»، بينما اقترح بعض السياسيين هدم السد، أو التدخل العسكري. وكان الحوار معلنًا على الهواء مباشرة، ما أثار غضب المسئولين في أديس أبابا، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي حينها «لا أحد ولا أي شيء يستطيع الوقوف أمام بناء السد». «السيسي»: النيل حقنا في الحياة على الرغم من أن الرئيس السيسي منذ أول يوم تولى فيه الرئاسة، قال في أول خطاب له: «إذا كان سد النهضة حق لإثيوبيا في التنمية فالنيل حق لنا في الحياة»، إلا أنه ولعامه الثاني في الرئاسة لم تلق المفاوضات أي تقدم بل تستمر إثيوبيا في البناء ومصر عجزت عن حل الأزمة، وأعلنت عدد من الجهات أن إثيوبيا تتعنت في الاتفاقات بل وزاد عليها أن إثيوبيا أعلنت أن السد في طريقها إلى افتتاحه قريبًا متجاهلة بذلك الموقف المصري الذي قلل من أضرار بناء السد على مصر، وتراجع دور الدبلوماسية المصرية في حل الأزمة. ولكن يستمر السد في ارتفاعه وكل المحاولات المطروحة قال فيها الخبراء إن إثيوبيا لن تحاول وقف بنائه، وعلى صعيد آخر رأى الخبراء أن مصر في يدها أوراق يمكنها الضغط بها على إثيوبيا في مجلس الأمن ولكن حتى الآن بات الأمر مبهمًا في كيف سيتم حل الأزمة، بعد أن فشلت محاولات مصر في الاتفاق مع الجانب الإثيوبي.