إن نقطة البداية في إدراك التعامل الصحيح مع البلاء والابتلاء هو أن ندرك أن الابتلاء سنة من السنن وقانون من القوانين التي تحكم البشر في هذه الحياة; حيث مضت سنة الله أن يمتحن عباده بالشر والخير, أي يختبرهم بما يكون ثقيلا علي نفوسهم من الألم والمرض والخوف والهزيمة, كما يختبرهم بما يدخل السرور والسعادة من النعم التي تجعل حياتهم في رفاهية ورخاء وسعة من العيش; ليتبين بهذه الامتحانات ماذا سيصنع البشر, أو حسب التعبير القرآني:{ أيهم أحسن عملا}. ولا شك أن حسن العمل عند وقوع البلاء لا يخرج عن أحد أمرين: الصبر عند الشدائد والأزمات, والشكر عند النعم والمسرات. ولكي يكتمل معني الاختبار كان من مقتضيات الابتلاء أن يكون أمر الناس في هذه الحياة قائما علي التفاوت والاختلاف في المواهب والقدرات والأرزاق والحظوظ; فهذا التفاوت يخلق الأجواء التنافسية التي تفيد الحياة والبشر أكثر مما لو كان الناس علي قدم المساواة في كل شيء. إن تفسير ما يجري لنا في الحياة من خلال ثنائية البلاء والابتلاء يقدم نظرة متفائلة للحياة, ويمنحنا القدرة علي الصبر والتحمل والتماسك أمام الشدائد بمختلف أنواعها, بل إنه في أعلي الحالات تصبح الشدائد فرصة لاستخراج أفضل ما في البشر من إمكانات وقدرات لا تخرج عادة إلا عند وقوع الخطر وحصول الشدائد. هذا من ناحية, ومن ناحية أخري يمنحنا ذلك التفسير الفرصة لإنقاذ النفس من الوقوع أو السقوط في آفة الطغيان والاستكبار والغرور بما بين أيدينا من أسباب النعم والقوة.. ومن ذلك نستخلص أن الإنسان لن يعيش بمعزل عن قانون الحياة, فإن كان في شدة وأزمة فهو في حالة ابتلاء, وإن كان في سعة وبسط في النعيم فهو أيضا في حالة ابتلاء, وإذا خرج من الفقر إلي الغني فهو مبتلي, وإذا خرج من الغني إلي الفقر فهو مبتلي, وكذلك في الصحة والمرض والنصر والهزيمة والراحة والتعب وغير ذلك. وهذا ما تؤيده آيات القران الكريم حيث جاء في بعضها قوله تعالي:{ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا}; فالإنسان مبتلي في كل أحواله وهذه نظرة جديدة علي فكر البشر الذي كان يتجه قبل القرآن إلي القول بعبثية الحياة أو عبث الأقدار. فإذا كان البلاء والابتلاء سنة( أي قانون ينطبق علي جميع البشر) فإن مواجهته والتصدي له يعتبر سنة كذلك; انطلاقا من مبدأ أن السنة الاجتماعية لا تواجه إلا بسنة أخري مقابلة لها; فالمرض سنة من سنن الله والتداوي منه سنة كذلك, فمن سلك مسلك التداوي شفي من المرض, وفي الحديث: تداووا عباد الله فما أنزل الله من داء إلا جعل له دواء. والفقر سنة من سنن الله, والخروج منه لا يكون إلا بسنة العمل والإتقان, وهكذا في كل جوانب الحياة الاجتماعية. بل إنه حتي في الأمور الاعتقادية يكون التدافع والصراع بين قوي الحق وقوي الباطل أو الإيمان والكفر; إذ يحاول جند الكفر أن يفرض نفسه وسلطانه, فيتصدي له جند الإيمان وتنشط قواه, وتجتمع عناصره بسبب ضغط الكفر عليه.. وصدق الله إذ يقول:{ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}. ومما يؤكد ذلك أيضا أنه حتي في داخل الجسم البشري تقوم أجهزة المناعة بالدفاع عن نفسها وعن الجسم عند دخول الجراثيم والفيروسات; حيث يبدأ القتال بينهما حتي يبقي الجسم قويا قادرا علي القيام بواجباته. إن التدافع بين الناس هو جزء من الاختبار الإلهي للبشر, والتاريخ خير شاهد علي ذلك; إذ قامت دول وممالك وسقطت أخري بفعل السنن الاجتماعية.