من المشكلات التي تواجه المسلم المعاصر تعدد الفتاوي في كثير من القضايا والمسائل المعاصرة, إلي الحد الذي أضحي معه أو بسببه في حيرة من أمر دينه ودنياه; إذ بأي قول يأخذ؟ وعن أي شيء يتوقف؟ وكيف يستطيع التوفيق بين رغبته في الالتزام بأحكام الشريعة من جانب, وأن يعيش عصره مشاركا وفاعلا من جانب آخر؟! ومن أبرز مظاهر هذه الحيرة أنه عندما يسأل عن حكم الشرع في مسألة من المسائل المعاصرة, يجد اختلافا بينا بين العلماء يصل إلي درجة التناقض; فبينما( يبيح) بعض الفقهاء التعامل مع البنوك; علي أساس أنها معاملات مستحدثة, وتحقق منفعة للناس, يذهب بعض آخر إلي( تحريم) هذا التعامل; علي أساس أن الودائع في البنوك عبارة عن قروض يأخذ المودع فوائد مقابل إيداعها, وهذه الفوائد زيادة علي رأس المال, وهي حينئذ من الربا الصريح. ذلك في حين يذهب فريق ثالث إلي( جواز) التعامل مع البنوك بشرط عدم استعمال الفوائد الحاصلة له منها, بل يتصدق بها علي الفقراء أو يصرفها في وجوه الخير, وبينما يذهب بعض الفقهاء إلي( إباحة) بعض صور مستحدثة في الزواج ك(المسيار) يذهب بعض آخر إلي( تحريم) هذا الزواج ومنعه. وهكذا في مسائل عديدة يجد المسلم نفسه حائرا أمام فتاوي يناقض بعضها بعضا. ومما يزيد في هذه الحيرة أن من يفتون في هذه القضايا يكونون أحيانا علماء مشهودا لهم بالفقه العميق والدراسة الواعية للفقه الإسلامي ومقاصد الشريعة, كما أن بعضهم ينتمي إلي مجامع فقهية ذات قدم راسخة في فهم الخطاب الشرعي. وإذا أضفنا إلي ما سبق هذا( العدد) الهائل من الفتاوي التي يجدها المسلم بين يديه, عبر الوسائط الحديثة كالصحافة والإذاعة والتليفزيون والإنترنت, بالإضافة إلي الكتب والمجلات, فإن الأمر يصبح في غاية الخطورة. وليس موضع الخطورة هنا هو التنوع في مصادر الفتوي, وإنما في تضاربها وتأثيرها علي مجموع المسلمين; إذ تصيب فريقا منهم بالحيرة وعدم القدرة علي تحقيق الممارسة الشرعية في كثير من جوانب حياتهم, وتدفع فريقا آخر إلي الانصراف عن تحكيم الشريعة, والركون إلي الأوضاع القائمة بل والدفاع عنها. وما يعنينا في الأمر هنا هو إثبات( مسئولية) المفتين عن وقوع الناس في الحيرة من جانب, أو دفعهم إلي التعامل مع أوضاع مخالفة للشريعة من جانب آخر. ومن هنا نتساءل: ماذا بوسع المسلم الصادق من فعل; ليخرج من هذه الحيرة؟! ألا يكون استفتاء القلب هو المخرج في مثل هذه الحالة; حيث يستمع الإنسان إلي صوت ضميره, ويرجع إلي تقديره الخاص للأمر, فيختار من آراء العلماء ما ينشرح له صدره, ويطمئن له قلبه, بدلا من أن يظل حائرا عاجزا عن الحركة بسبب تضارب الآراء؟