كان النبي, صلي الله عليه وسلم, مرهف الحس فياض العاطفة رقيق الشعور عظيم الرحمة وقد حفظت لنا كتب السير والسنن مواقف مختلفة مرت به, صلي الله عليه وسلم, فاهتزت لها مشاعره وتأثر بها وجدانه فيحزن قلبه وتدمع عيناه ويبكي. عن أسامة بن زيد- رضي الله عنه- قال: كان ابنا لبعض بنات النبي- صلي الله عليه وسلم- يقضي فأرسلت إليه أن يأتيها فأرسل: إن لله ما أخذ وله ما أعطي وكل إلي أجل مسمي فلتصبر ولتحتسب فأرسلت إليه فأقسمت عليه فقام رسول الله- صلي الله عليه وسلم- وقمت معه ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وعبادة بن الصامت, فلما دخلنا ناولوا رسول الله- صلي الله عليه وسلم- الصبي ونفسه تقلقل في صدره حسبته قال كأنها شنة, فبكي رسول الله- صلي الله عليه وسلم- فقال سعد بن عبادة: أتبكي! فقال: إنما يرحم الله من عباده الرحماء رواه البخاري. أرسلت السيدة زينب بنت رسول الله- صلي الله عليه وسلم- إليه بأن يأتي إليها لأن ابنها في سكرات الموت وكان- صلي الله عليه وسلم- مشغولا بوفد من وفود العرب فأرسل إليها بأن تصبر وتحتسب وترضي وتستسلم لأمر الله فالولد وديعة والله قد استرد وديعته ولا ينبغي للمسلم أن يجزع إذا استعيدت منه فأخبروها فحلفت عليه أن يأتيها فبر النبي- صلي الله عليه وسلم- بقسمها وكان- صلي الله عليه وسلم- شديد العطف علي بناته يقف بجانبهن ويتفاعل معهن فذهب إليها ومعه معاذ بن جبل وأبي بن كعب وعبادة بن الصامت وأسامة بن زيد فلما وصل- صلي الله عليه وسلم- أخذ الطفل وقبله وإذا نفسه تقلقل بين يدي الرسول- صلي الله عليه وسلم- وهو صوت حشرجة الروح وخروجها من الصدر وهنا بكي النبي- صلي الله عليه وسلم- حزنا علي حفيده وشفقة ورحمة به فهو أرحم الخلق بالخلق, وسماه ربه رحيما فقال تعالي: بالمؤمنين رءوف رحيم- التوبة آية128- واستغرب سيدنا سعد بن عبادة- رضي الله عنه- بكاء النبي- صلي الله عليه وسلم- وراجعه لظنه أن هذا متعارض مع نهيه- صلي الله عليه وسلم عن البكاء- وإنما الذي نهي عنه النبي- صلي الله عليه وسلم- هو النياحة وهو ما يكون برفع الصوت والصراخ والعويل أما دمع العين فلا بأس به ولا يؤاخذ عليه الإنسان فلقد قال- صلي الله عليه وسلم- في الحديث الآخرإن الله لا يعذب بدمع العين, ولا بحزن القلب, وإنما يعذب بهذا,- وأشار إلي لسانه- أو يرحم- رواه مسلم- ثم يعلم النبي- صلي الله عليه وسلم- سيدنا سعد بن عبادة- رضي الله عنه- والأمة من بعده أن الرحمة علي عباد الله والشفقة بهم سبب في رحمة الله فالراحمون يرحمهم الرحمن.